الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } * { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } * { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }

وقوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ }. معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك،أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } جريا على عادة القرآن فى تعقيب الإِنذار بالبشارة، والوعيد بالوعد. أى والذين آمنوا بالله إيمانا حقا، وقدموا فى حياتهم الأعمال الصالحات { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } اى من تحت غرفها ومساكنها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى مقيمين فيها إقامة أبدية { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } أى واقعا لا محالة ما وعد الله به عباده الصالحين من نعم بخلاف ما وعد الشيطان به أتباعه فإنه وعد كاذب باطل. وقوله { وَعْدَ ٱللَّهِ } منصوب على المصدر المؤكد لمضمون جملة { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } لأنها بمعناه فكأنه مؤكد لنفسه وقوله { حَقّاً } منصوب بفعل محذوف أى حق ذلك حقا. والاستفهام فى قوله { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } للنفى. والقيل مصدر كالقول أى هذا ما وعد الله به عباده المؤمنين، وما وعد الله به عباده فهو متحقق الوقوع لا محالة، لأنه لا أحد أصدق من الله قولا. فالجملة الكريمة تذييل قصد به تأكيد ما سبقه من وعد الله لعباده المؤمنين بالجنة. وقوله { قِيلاً } منصوب على أنه تمييز نسبة من قوله { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ } ثم بين - سبحانه - أن الوصول إلى رضوانه لا يكون بالأمانى والأوهام وإنما يكون بالإِيمان والعمل الصالح فقال { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }. والأمانى جمع أمنية. وهى ما يتمناه الإِنسان ويرغب فيه ويشتهيه من أشياء متنوعة. كحصوله على الخير الوفير فى الدنيا، وعلى الجنة فى الآخرة. وهى مأخوذة من التمنى. وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها قول قتادة ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا. فقال أهل الكتاب. نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى منكم. وقال المسلمون نحن أولى بالله منكم، ونبينا خاتم النبيين. وكتابنا يقضى على الكتب التى كانت قبله. فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ }. الآية. وقال مجاهد قالت العرب لن نبعث ولن نعذب. وقالت اليهود والنصارىلَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } فأنزل الله - تعالى - { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ }. الآية. والضمير فى قوله { لَّيْسَ } يعود إلى ما تقدم ذكره من الوعد المتقدم وهو نيل الثواب ودخول الجنة. والخطاب لجميع الفرق التى حدث بينها تنازع فى شأن الدين الحق، وفى شأن ما يترتب على ذلك من ثواب. والمعنى ليس ما وعدا لله به من الثواب أو إدخال الجنة، أو ليس ما تحاورتم فيه حاصلا بمجرد أمانيكم - أيها المسلمون - أو أمانى أهل الكتاب أو غيرهم، وإنما ما تمنيتموه جميعا يحصل بالإِيمان الصادق، وبالعمل الصالح، وبالسعى والجد فى طاعة الله، فقد اقتضت سنة الله - تعالى - أن من يعمل خيرا يجد خيرا، و { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أى من يرتكب معصية مؤمنا كان أو كافرا يجازه الله بها عاجلا أو آجلا إذا تاب، أو تفضل الله عليه بالمغفرة إذا كان مؤمنا.

السابقالتالي
2 3 4 5