الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً } * { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } * { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً }

ذكر بعض المفسرين عن ابن عباس فى سبب نزول قوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ }. الآية أن شيخا من العرب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنى شيخ منهمك فى الذنوب. إلا أنى أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به. ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أقع المعاصى جراءة. وما توهمت طرفة عين أنى أعجز الله هربا. وإنى لنادم تائب. فما ترى حالى عند الله - تعالى -؟ فنزلت. والمراد بالشرك هنا مطلق الكفر سواء أكان هذا الكفر من أهل الكتاب أم من العرب أم من غيرهم. والمعنى إن الله لا يغفر لكافر مات على كفره، ويغفر ما دون الكفر من الذنوب والمعاصى لمن يشاء أن يغفر له اقترافها إذا مات توبة. فمن مات منهم بدونها فهو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه ثم ادخله الجنة. وأما قوله { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً }. فمقيد بالمشية أى يغفر الذنوب جميعا لمن شاء أن يغفر له. ومقيد أيضا بما عدا الشرك. أى يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك فإنه لا يغفر لمن مات عليه. ثم بين - سبحانه - سوء حال المشركين فقال { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } والضلال هو السير فى غير الطريق الموصول الى النجاة. أى ومن يشرك بالله - تعالى - بأن يعبد سواه، أو يجعل معه شريكا فى العبادة فقد اسر فى طريق الشرور والآثام سيرا بعيدا ينتهى به إلى الهلاك، ويفضى به إلى العذاب المهين. وهذه الآية قد مر الكلام مفصلا فى آية تشبهها من هذه السورة وهى قوله - تعالى -إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } قالوا وقد ختمت هذه الآية بقولهوَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } لأنها فى شأن أهل الكتاب من اليهود وهم عندهم علم بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وبأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع ومع ذلك فقد حملهم الحسد على إنكار الحق، فصار فعلهم هذا افتراء بالغ العظم فى الكذب والجرأة على الله. وختمت الآية التى معنا بقوله - تعالى - { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } لأنها فى قوم مشركين لم يعرفوا من قبل كتابا ولا وحيا، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وميزلهم طريق الرشد من طريق الغى، ولكنهم لم يتبعوه فكان فعلهم هذا ضلالا واضحا عن طريق الحق.

السابقالتالي
2 3 4 5