الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } * { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } * { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } * { هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } * { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات مختلفة السياق إلا أنها متقاربة المعانى. ومن ذلك ما ذكره صاحب الكشاف من أن رجلا اسمه طعمة بن أبيرق - أحد بنى ظفر - سرق درعا من جار له اسمه قتادة ابن النعمان فى جراب دقيق. فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه. وخبأ طعمة الدرع عند رجل من اليهود اسمه زيد بن السمين. فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها، وماله بها علم، فتركوه واتبعوه أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودى فأخذوها. فقال اليهودى دفعها إلى طعمة وشهد له ناس من اليهود. فقالت بنو ظفر - أقارب طعمة - انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصلوا إليه سألوه أن يجادل - أى يدافع - عن صاحبهم طعمة وقالوا إن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودى. فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل وأن يعاقب اليهودى. وقيل هم أن يقطع يده فنزلت. وهذه الآيات الكريمة وإن كانت قد نزلت فى حادثة معينة، إلا أن توجيهاتها وأحكامها تتناول جميع المكلفين فى كل زمان ومكان. وقوله تعالى { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ } تشريف للنبى صلى الله عليه وسلم وإرشاد إلى ما يجب أن يكون عليه الحاكم أو القاضى من عدالة ونزاهة. أى إنا أنزلنا إليك يا محمد القرآن الكريم، إنزالا ملتبسا بالحق وبالعدل لكى تحكم بين الناس فى قضاياهم بما أراك الله. أى بما عرفك وأعلمك وأوحى به إليك وقوله { بِٱلْحَقِّ } فى محل نصب على الحال المؤكدة فيتعلق بمحذوف. وصاحب الحال هو الكتاب. أى أنزلناه ملتبسا بالحق. وقوله { بِمَآ أَرَاكَ } الفعل هنا متعد لاثنين أحدهما العائد المحذف والآخر كاف الخطاب أى بما أراكه الله. أى بما عرفك وأعلمك. وسمى ذلك العلم بالرؤية، لأن العلم اليقينى المبرأ عن جهات الريب يكون جاريا مجرى الرؤية فى القوة والظهور. قال ابن كثير احتج من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية. وبما ثبت فى الصحيحين " عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصوم بباب حجرته فخرج إليهم فقال " ألا إنما أنا بشر. وإنما أقضى بنحو مما أسمع. ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار، فليحملها أو ليذرها ". وفى رواية للإِمام أحمد عن السيدة أم سلمة - أيضا - قالت " جاء رجلان من النصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مواريث بينهما قد درست. ليس عندهما بينه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنكم تختصمون إلى وإنما أنا بشر. ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض. فإنى أقضى بينكم على نحو ما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار.. فبكى الرجلان وقال كل منهما حقى لأخى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إذا قلتما ذلك فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما. ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه " ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8