الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } * { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

والمراد بالإنسان هنا الكافر، بدليل قوله - تعالى - { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ }. والمراد بالضر ما يصيب الإِنسان من مصائب فى نفسه أو ماله أو أهله. أى وإذا نزل بالإنسان ضر من مرض أو غيره من المكاره { دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } أى أسرع إلى الله - تعالى - بالدعاء والإِنابة والتضرع، وترك الآلهة التى كان يدعوها فى حالة الرخاء. كما قال - تعالى -بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } وقوله - تعالى - { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ.. } بيان لحالة هذا الإِنسان بعد أن كشف الله - تعالى - عنه الضر. وخوله من التخويل بمعنى الإعطاء مرة بعد أخرى، ومنه الحديث الشريف كان رسول الله صلى لله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا أى يتعهدنا بها وقتا بعد وقت. و { ما } فى قوله { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } موصولة مراداً بها الضر، أو مراداً بها البارى - عز وجل -. أى هذا هو حال ذلك الإِنسان عند نزول الضُّرِّ به، فإذا ما كشفنا عنه ضره، وأعطيناه نعما عظيمة على سبيل التفضل منا.. نسى الضر الذى كان يتضرع إلينا من قبل لنزيله عنه، أو نسى الخالق - عز وجل - الذى كشف عنه بقدرته ذلك الضر. ولم يكتف بهذا النسيان، بل جعل لله - تعالى - أنداداً أى أمثالا وأشباها ونظائر يعبدها من دونه. واللام فى قوله - تعالى - { لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } للتعليل. أى فعل ما فعل من جعله شركاء لله - تعالى فى العبادة، ليضل الناس بذلك الفعل عن سبيل الله وعن دينه الذى ارتضاه لعباده. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { لِّيُضِلَّ } بفتح الياء. أى ليزداد ضلالا على ضلاله. وقوله - تعالى - { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } بيان لسوء عاقبة هذا الإِنسان المشرك. أى قل - أيها الرسول الكريم - لهذا الإِنسان الذى جعل لله شركاء فى العبادة... قل له تمتع بكفرك تمتعا قليلا، أو زماناً قليلا إنك من أصحاب النار الملازمين لها، والخالدين فيها. ثم نفى - سبحانه - المساواة بين هذا الإِنسان المشرك وبين الإِنسان الملازم لطاعة ربه فقال { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ... } وكلمة { أَمَّنْ } أصلها " أم " التى بمعنى بل وهمزة الاستفهام. و " من " التى هى اسم موصول وهى هنا مبتدأ وخبره محذوف. والقانت من القنوت بمعنى ملازمة الطاعة والمواظبة عليها بخشوع وإخلاص.

السابقالتالي
2