الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } * { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } * { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }

فقوله - { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّة.. } بيان لحالة الكافرين يوم القيامة، ولما تكون عليه هيئتهم من خزى وهوان. أى وفى يوم القيامة إذا نظرت - أيها الرسول الكريم - أو - أيها العاقل - إلى وجوه الذين كذبوا على الله، بأن أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى، أو جعلوا له صاحبة أو ولدا.. إذا نظرت إليها رأيتها مسودة مكفهرة بسبب ما أحاط بهم من عذاب، وما شاهدوه من أهوال. وقوله { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } جملة من مبتدأ وخبر، وهى فى محل نصب على الحال من الذين كذبوا.. والاستفهام فى قوله { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِين } للتقرير والمثوى المكان والمقام. يقال ثوى فلان بالمكان وأثوى فيه، إذا أقام به، فهو ثاو ومنه قوله - تعالى -وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } أى أليس فى جهنم مكانا ومقرا لإِهانة المتكبرين وإذلالهم، بسبب تطاولهم على غيرهم، وتكذيبهم لآيات الله؟ بلى إن بها ما يجعلهم يذوقون العذاب الأليم. ثم بين - سبحانه - حال المؤمنين يوم القيامة، بعد بيانه لحال الذين كذبوا على الله فقال { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }. ومفازتهم اسم مصدر. أو مصدر ميمى. من فاز فلان بكذا، إذا ظفر به، ونال مراده منه. أى وينجى الله - تعالى - بفضله ورحمته، { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } الشرك والمعاصى من عذاب جهنم، { بِمَفَازَتِهِمْ } أى بسبب فوزهم برضا الله - تعالى - ورحمته، جزاء إيمانهم وتقواهم، وقرأ حمزة والكسائى { بمفازاتهم } بالجمع. ويصح أن تكون الباء فى قوله { بِمَفَازَتِهِمْ } للملابسة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من الذين اتقوا. أى ينجيهما حالة كونهم متلبسين. وقوله { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } يجوز أن يكون تفسيراً لذلك الفوز، كأنه قيل وما مظاهر فوزهم فكان الجواب لا يمسهم السوء الذى يصيب غيرهم من الكافرين والعصاة، ولا هم يحزنون على شئ تركوه خلفهم فى الدنيا. ويجوز أن يكون حالا من الذين اتقوا. أى ينجيهم بسبب مفازتهم، حال كونهم لا يمسهم السوء، أى لا يمسهم شئ مما يكره لا فى الحال ولا فى الاستقبال، ولا هم يحزنون على ما كان منهم فى الماضى. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد كرم المتقين تكريما عظيما، حيث نجاهم من عذاب جهنم، وجعلهم آمنين من كل ما يغمهم فى كل زمان أو مكان. قال الإِمام الرازى ما ملخصه هذه آية جامعة، لأن الإِنسان إذا علم أنه لا يمسه السوء، كان فراغ البال بحسب الحال، وإذا علم أنه لا يحزن كان هادئ النفس عما وقع فى قلبه بسبب فوات الماضى، فحينئذ يظهر أنه سلم عن كل الآفات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6