الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } روايات منها ما رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال لما اجتمعنا على الهجرة. تواعدت أنا وهشام بن العاص بن وائل السَّهْمى وعيَّاش بن أبى ربيعة بن عتبة، فقلنا الموعد أضَاةَ بنى غفار - أى غدير بنى غفار - وقلنا من تأخر منا فقد حبس فليمض صاحبه فأصبحت أنا وعياش بن عتبة، وحبس عنا هشام، وإذا به قد فُتِن فافتَتنَ، فكنا نقول بالمدينة هؤلاء قد عرفوا الله - عز وجل - وآمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم، ثم افتتنوا لبلاء لحقهم لا نرى لهم توبة، وكانوا هم - أيضاً - يقولون هذا فى أنفسهم. فأنزل الله - عز وجل - فى كتابه { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ.. } إلى قوله - تعالى -أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } قال عمر فكتبتها بيدى، ثم بعثتها إلى هشام. قال هشام فلما قدمت على خرجت بها إلى ذى طوى فقلت اللهم فهمنيها، فعرفت أنها نزلت فينا، فرجعت فجلست على بعيرى فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم. والأمر فى قوله - تعالى - { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإضافة العباد إلى الله - تعالى - للتشريف والتكريم. والإِسراف تجاوز الحد فى كل شئ، وأشهر ما يكون استعمالا فى الإِنفاق، كما فى قوله - تعالى -يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } والمراد بالإِسراف هنا الإِسراف فى اقتراف المعاصى والسيئات، والخطاب للمؤمنين المذنبين. وعدى الفعل " أسرفوا " بعلى، لتضمنه معنى الجناية، أى جنوا على أنفسهم. والقُنُوط اليأس، وفعله من بابى ضرب وتعب. يقال فلان قانط من الحصول على هذا الشئ، أى يائس من ذلك ولا أمل له فى تحقيق ما يريده. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لعبادى المؤمنين الذين جنوا على أنفسهم بارتكابهم للمعاصى، قل لهم لا تيأسوا من رحمة الله - تعالى - ومن مغفرته لكم. وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } تعليلية. أى لا تيأسوا من رحمة الله - تعالى لأنه هو الذى تفضل بمحو الذنوب جميعها. لمن يشاء من عباده المؤمنين العصاة. { إِنَّهُ } - سبحانه - { هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أى هو الواسع المغفرة والرحمة لمن يشاء من عباده المؤمنين، فهم إن تابوا من ذنوبهم قبل - سبحانه - توبتهم كما وعد تفضلا منه وكرما، وإن ما توا دون أن يتوبوا، فهم تحت رحمته ومشيئته، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم، ثم أدخلهم الجنة بفضله وكرمه.

السابقالتالي
2 3 4