الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ }

والفاء فى قوله - تعالى - { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ... } لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والاستفهام للإِنكار والنفى. أى ما دام الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - من أنك ستموت وهم سيموتون، وأنكم جميعا ستقفون أمام ربكم للحساب والجزاء.. فلا أحد أشد ظلما من هؤلاء المشركين الذين كذبوا على الله، بأن عبدوا من دونه آلهة أخرى، ونسبوا إليه الشريك أو الولد، ولم يكتفوا بكل ذلك، بل كذبوا بالأمر الصدق وقت أن جئتهم به من عند ربك. والتعبير بقوله { وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ } يدل على أنهم بادروا بتكذيب ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه، بمجرد أن سمعوه، ودون أن يتدبروه أو يفكروا فيه. وتكذيبهم بالصدق، يشمل تكذيبهم للقرآن الكريم، ولكل ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم. والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } للتقرير. والمثوى المكان مأخوذ من قولهم ثوى فلان بمكان كذا، إذا أقام به. يقال ثَوَى يثوِى ثَواء، كمضَى يمضِى مَضَاء.. أى أليس فى جهنم مكانا يكفى لإِهانة الكافرين وإذلالهم وتعذيبهم؟ بل إن فيها لمكانا يذلهم ويذوقون فيه سوء العذاب. ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة أهل الصدق والإِيمان فقال { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }. والمراد بالذى جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بالذى صدق به ما يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم ويشمل كل من آمن به واتبعه فيما جاء به، كأبى بكر الصديق وغيره من الصحابة. قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس... والمؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية، دخول الجند فى قولك نزل الأمير موضع كذا.. والجمع فى قوله - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } باعتبار دخول الأتباع تباعا ومراتب التقوى متفاوتة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها... ثم بين - سبحانه - ما أعده لهؤلاء المتقين من نعيم فقال { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ... }. أى لهؤلاء المتقين كل ما يشاءونه عند ربهم ومالك أمرهم، بسبب تصديقهم للحق، واتباعهم لما جاءهم به رسولهم صلى الله عليه وسلم. وفى قوله { عِندَ رَبِّهِمْ } تكريم وتشريف لهم. وقوله { ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } أى ذلك الذى ذكرناه من حصولهم على ما يشتهونه جزاء من أحسنوا فى أقوالهم وأفعالهم. ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر تكريمه لهم، ورحمته بهم فقال { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ }.

السابقالتالي
2 3