الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } * { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }

افتتحت سورة " الزمر " بالثناء على القرآن الكريم، وببيان مصدره، قال - تعالى - { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ }. أى هذا الكتاب وهو القرآن الكريم. قد نزل عليك - يا محمد - من لدن الله - تعالى - { ٱلْعَزِيزِ } أى الغالب على كل شئ { ٱلْحَكِيمِ } فى كل تصرفاته وأفعاله، وليس هذا القرآن قولا مفترى كما زعم الجاحدون الذين انطمست بصائرهم، واستحبوا العمى على الهدى. والذى يتتبع آيات القرآن الكريم، يرى أن الله - تعالى - إذا ذكر تنزيله لكتابه أتبع ذلك ببعض أسمائه الحسنى، المتضمنة لصفاته الجليلة. ففى أول سورة غافر نجد قوله - تعالى - { حـمۤ. تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }. وفى أول سورة الجاثية نجد قوله - تعالى - { حـمۤ. تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ }. وفى أول سورة الأحقاف نجد مثل هذا الافتتاح. وفى أول سورة فصلت نجد قوله - تعالى -حـمۤ. تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وفى صدر سورة " يس " نجد قوله - سبحانه -تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ. لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ... } ولا يخفى أن ذكره - سبحانه - لبعض أسمائه الحسنى، بعد ذكره لتنزيل هذا القرآن على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم فيه ما فيه من الثناء على القرآن الكريم، ومن بيان أنه قد نزل من عند الله - تعالى - وحده، الذى له الخلق والأمر. تبارك الله رب العالمين. ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ما يدعو الناس إلى قبول هذا الكتاب، وإلى العمل بهداياته، فقال - تعالى - { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقَّ.. }. أى هذا الكتاب هو تنزيل من عند الله - تعالى - الغالب على كل شئ. والحكيم فى أقواله وأفعاله. وقد أنزله - سبحانه - عليك - يا محمد - تنزيلا ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل، أو ما يشبه الباطل، وذلك يوجب قبوله والعمل بكل ما فيه. قال الآلوسى قوله - تعالى - { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقّ } بيان لكونه نازلا بالحق، وتوطئة لما يذكر بعد.. أو شروع فى بيان المنزل إليه، وما يجب عليه إثر بيان شأن المنزل.. والباء متعلقة بالإِنزال، وهى للسببية، أى أنزلناه بسبب الحق، أى إثباته وإظهاره. أو بمحذوف وقع حالا من المفعول وهى للملابسة. أى أنزلناه ملتبسا بالحق والصواب. والمراد أن كل ما فيه موجب للعمل والقبول حتما. والفاء فى قوله - تعالى - { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها. والعبادة أقصى درجات التذلل والخضوع للمعبود - عز وجل - والإِخلاص معناه أن يقصد المسلم بعبادته وقوله وعمله وجه الله - تعالى -.

السابقالتالي
2 3