الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

وقوله - تعالى - " مثانى " جمع مثنى من التثنية بمعنى التكرار والإِعادة ولذا سميت سورة الفاتحة بالسبع المثانى، لأنها تكرر وتعاد مع كل صلاة. أى الله - تعالى - نزل بفضله ورحمته عليك - يا محمد - أحسن الحديث { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } أى يشبه بعضه بعضا فى فصاحته وبلاغته، وفى نظمه وإعجازه، وفى صحة معانيه وأحكامه، وفى صدقه وهداياته وإرشاداته إلى ما يسعد الناس فى دنياهم وآخرتهم... " مثانى " أى تثنى وتكرر فيه القصص والمواعظ، والأمثال والأحكام والوعد والوعيد، كما تثنى وتكرر قراءاته فلا تمل على كثرة الترداد، وإنما يزداد المؤمنون حبا وتعلقا بتلاوته كلما أكثروا من هذه التلاوة. وسمى - سبحانه - كتابه حديثا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحدث به قومه، ويخبرهم بما كان ينزل عليه منه. فلفظ الحديث هنا بمعنى المحدث به لا بمعنى كونه مقابلا للقديم. ولفظ " كتابا " بدل من قوله { أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } وقوله { مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } صفتان للكتاب. ووصف بهما وهو مفرد وكلمة " مثانى " جمع، باعتبار اشتماله على الكثير من السور والآيات والقصص والمواعظ والأحكام. أى الله - تعالى - أنزل أحسن الحديث كتابا مشتملا على السور والآيات والمواعظ... التى يشبه بعضها فى الإِعجاز.. والتى تثنى وتكرر فلا تمل على كثرة التكرار.. ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد عند تفسيره لهذه الآية فقال له ما ملخصه " وإيقاع اسم مبتدأ، وبناء " نزل " عليه، فيه تفخيم لأحسن الحديث ورفع منه، واستشهاد على حسنه، وتأكيد لاستناده إلى الله، وأنه من عنده، وأن مثله لا يجوز أن يصدر إلا عنه، وتنبيه على أنه وحى معجز مباين لسائر الأحاديث. فإن قلت كيف وصف الواحد بالجمع؟ قلت إنما صح ذلك لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، وتفاصيل الشئ هى جملته لا غير، ألا تراك تقول القرآن سور وآيات... كما تقول الإِنسان عظام وعروق، فإن قلت ما فائدة التثنية والتكرير؟ قلت النفوس أنفر شئ عن حديث الوعظ والنصيحة، فما لم يكرر عليها عودا عن بدء لم يرسخ فيها، ولم يعمل عمله، ومن ثم كانت عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكرر عليهم ما كان يعظ به وينصح ثلاث مرات، ليركزه فى قلوبهم، كى يغرسه فى صدورهم... وقوله - تعالى - { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ... }. استئناف مسوق لبيان آثار هذا القرآن الكريم فى نفوس قارئيه وسامعيه بعد بيان أوصافه فى ذاته. وقوله " تقشعر " من الاقشعرار، وهو الانقباض الشديد للبدن. يقال اقشعر جسد فلان، إذا انقبض جلده واهتز.

السابقالتالي
2 3