الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

قال الإِمام الرازى اعلم أن قصة أيوب هى القصة الثالثة من القصص المذكورة فى هذه السورة، واعلم أن داود وسيلمان كانا ممن أفاض الله عليه أصناف الآلاء والنعماء، وأيوب كان ممن خصه الله بأنواع البلاء، والمقصود من جميع هذه القصص الاعتبار. فكأن الله - تعالى - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم اصبر على سفاهة قومك، فإنه ما كان فى الدنيا أكثر نعمة ومالا من داود وسليمان، وما كان أكثر بلاء ومحنة من أيوب، فتأمل فى أحوال هؤلاء لتعرف أن أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد، وأن العاقل لابد له من الصبر على المكاره.. وأيوب - عليه السلام - هو ابن أموص بن برزاح، وينتهى نسبه إلى إسحاق بن إبراهيم - عليهما السلام - وكانت بعثته على الراجح بين موسى ويوسف - عليهما السلام -. وكان صاحب أموال كثيرة، وله أولاد.. فابتلى فى ماله وولده وجسده، وصبر على كل ذلك صبرا جميلا. فكافأه الله - تعالى - على صبره، بأن أجاب دعاءه، وآتاه أهله ومثلهم معهم.. وقوله - سبحانه - { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ.. } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلكوَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ... } و " النًّصْب " - بضم فسكون - وقرأ حفص ونافع - بضم النون والصاد - التعب والمشقة مأخوذ من قولهم أنصبنى الأمر، إذا شق عليه وأتعبه. والعذاب الآلام الشديدة التى يحس بها الإِنسان فى بدنه. أى واذكر - أيها الرسول الكريم - حال أخيك أيوب - عليه السلام - حين دعا ربه - تعالى - فقال يا رب أنت تعلم أنى مسنى الشيطان بالهموم الشديدة، وبالآلام المبرحة التى حلت بجسدى فجعلتنى فى نهاية التعب والمرض. وجمع - سبحانه - فى بيان ما أصابه بين لفظى النصب والعذاب، للإِشارة إلى أنه قد أصيب بنوعين من المكروه الغم الشديد بسبب زوال الخيرات التى كانت بين يديه، وهو ما يشير إليه لفظ " النصب " والألم الكثير الذى حل بجسده بسبب الأمراض والأسقام، والعلل، وهو ما يشير إليه لفظ " العذاب ". ونسب ما مسه من نصب وعذاب إلى الشيطان تأدبا منه مع ربه - عز وجل - حيث أبى أن ينسب الشر إليه - سبحانه -، وإن كان الكل من خلق الله - تعالى -. وفى هذا النداء من أيوب لربه، أسمى ألوان الأدب والإِجلال، إذا اكتفى فى تضرعه بشرح حاله دون أن يزيد على ذلك، ودون أن يقترح على خالقه - عز وجل - شيئا معينا، أو يطلب شيئا معينا. قال صاحب الكشاف ألطف أيوب - عليه السلام - فى السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة.

السابقالتالي
2 3 4