الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

فى هذه الآيات الكريمة مسألتان ذكر بعض المفسرين فيهما كلاما غير مقبول. أما المسألة الأولى فهى مسألة عرض الخيل على سيدنا سليمان والمقصود به. وأما المسألة الثانية فهى مسألة المقصود بقوله - تعالى - { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ... }. وسنسير فى تفسير هذه الآيات على الرأى الذى تطمئن إلى صحته نفوسنا، ثم نذكر بعده بعض الأقوال التى قيلت فى هذا الشأن، ونرد على ما يستحق الرد منه، فنقول - وبالله - التوفيق - المخصوص بالمدح فى قوله - تعالى - { نِعْمَ ٱلْعَبْدُ } محذوف، والمقصود به سليمان - عليه السلام -. أى ووهبنا - بفضلنا وإحساننا - لعبدنا داود ابنه سليمان - عليهما السلام - ونعم العبد سليمان فى دينه وفى خلقه وفى شكره لخالقه - تعالى -. وجملة { إِنَّهُ أَوَّابٌ } تعليل لهذا المدح من الله - تعالى - لسليمان - عليه السلام - أى إنه رجاع إلى ما يرضى الله - تعالى - مأخوذ من آب الرجل إلى داره، إذا رجع إليها. و " إذ " فى قوله { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } منصوب بفعل تقديره اذكر، و " عليه " متعلق بعُرِض و " العشى " يطلق على الزمان الكائن من زوال الشمس إلى آخر النهار. وقيل إلى مطلع الفجر. والصافنات جمع صافن، والصافن من الخيل الذى يقف على ثلاثة أرجل ويرفع الرابعة فيقف على مقدم حافرها. والجياد جمع جواد، وهو الفرس السريع العدو، الجيد الركض، سواء أكان ذاكراً أم أنثى، يقال جاد الفرس يجود جُودَة فهو جواد، إذا كان سريع الجرى، فاره المظهر.. أى اذكر - أيها العاقل - ما كان من سليمان - عليه السلام - وقت أن عرض عليه بالعشى الخيول الجميلة الشكل. السريعة العدو. قال صاحب الكشاف فإن قلت. ما معنى وصفها بالصفون؟ قلت الصفون لا يكاد يوجد فى الهجن، وإنما هو فى - الخيل - العراب الخلص وقيل وصفها بالصفون والجودة، ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية، يعنى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة فى مواقفها، وإذا جرت كانت سراعا خفافا فى جريها.. ثم حكى - سبحانه - ما قاله سليمان - عليه السلام - خلال استعراضه للخيول الصافنات الجياد على سبيل الشكر لربه، فقال - تعالى - { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ }. والخير يطلق كثيرا على المال الوفير، كما فى قوله - تعالى -وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } والمراد به هنا الخيل الصافنة الجيدة، والعرب تسمى الخيل خيرا، لتعلق الخير بها، روى البخارى عن أنس - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7