الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } * { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } * { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ }

والخطاب فى قوله - تعالى - { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ... } للنبى صلى الله عليه وسلم. أى اصبر - أيها الرسول الكريم - على ما قاله أعداؤك فيك وفى دعوتك لقد قالوا عنك إنك ساحر ومجنون وكاهن وشاعر.. وقالوا عن القرآن الكريم إنه أساطير الأولين.. وقالوا فى شأن دعوتك إياهم إلى وحدانية الله - تعالى -مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } وقالوا غير ذلك مما يدل على جهلهم وجحودهم للحق، وعليك - أيها الرسول الكريم - أن تصبر على ما صدر منهم من أباطيل، فإن الصبر مفتاح الفرج، وهو الطريق الذى سلكه كل نبى من قبلك. وقال - سبحانه - { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } بصيغة المضارع، لاستحضار الصورة الماضية. وللإِشعار بأن ما قالوه فى الماضى سيجددونه فى الحاضر وفى المستقبل فعليه أن يعد نفسه لاستقبال هذه الأقوال الباطلة بصبر وسعة صدر حتى يحكم الله - تعالى - بحكمه العادل، بينه وبينهم. وقوله - تعالى - { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } معطوف على جملة " واصبر ".. وداود - عليه السلام - هو ابن يسى من سبط " يهوذا " بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وكانت ولادة داود فى حوالى القرن الحادى عشر قبل الميلاد. وقد منحه الله - تعالى - النبوة والملك. وقوله - تعالى - { ذَا ٱلأَيْدِ } صفة لداود، والأَيْد القوة. يقال آدَ الرجل يئيد أَيْداً وإيادا، إذا قوى واشتد عوده، فهو أَيِّد. ومنه قولهم فى الدعاء أيدك الله. أى قواك و { أَوَّابٌ } صيغة مبالغة من آب إذا رجع. أى اصبر - أيها الرسول الكريم - على أذى قومك حتى يحكم الله بينك وبينهم واذكر - لتزداد ثباتا وثقة - قصة وحال عبدنا داود، صاحب القوة الشديدة فى عبادتنا وطاعتنا وفى دحر أعدائنا.. { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أى كثير الرجوع إلى ما يرضينا. ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله ونعمه على عبده داود - عليه السلام - فقال { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ... } والعشى الوقت الذى يكون من الزوال إلى الغروب أو إلى الصباح. والإِشراق وقت إشراق الشمس، أى سطوعها وصفاء ضوئها، قالوا وهو وقت الضحى.. فالإِشراق غير الشروق، لأن الشروق هو وقت طلوع الشمس. وهو يسبق الإِشراق أى إن من مظاهر فضلنا على عبدنا داود، أننا سخرنا وذللنا الجبال معه، بأن جعلناها بقدرتنا تقتدى به فتسبح بتسبيحه فى أوقات العشى والإِشراق. وقال - سبحانه - { مَعَهُ } للإشعار بأن تسبيحها كان سبيل الاقتداء به فى ذلك. أى أنها إذا سمعته يسبح الله - تعالى - ويقدسه وينزهه، رددت معه ما يقوله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10