الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } * { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } * { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } * { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ }

فقوله - تعالى - { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ... } استئناف مقرر لوعيد قريش بالهزيمة. ولوعد المؤمنين بالنصر، وتأنيث قوم باعتبار المعنى، وهو أنهم أمة وطائفة. أى ليس قومك - يا محمد - هم أول المكذبين لرسلهم، فقد سبقهم إلى هذا التكذيب قوم نوح، فكانت عاقبتهم الإِغراق بالطوفان. وسبقهم - أيضا - إلى هذا التكذيب قوم عاد، فقد كذبوا نبيهم هودا، فكانت عاقبتهم الإِهلاك بالريح العقيم. التى ما أتت على شئ إلا جعلته كالرميم. وقوله { وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } معطوف على ما قبله أى وكذب - أيضا - فرعون رسولنا موسى - عليه السلام -. وقوله { ذُو ٱلأَوْتَادِ } صفة لفرعون. والأوتاد جمع وتد، وهو ما يدق فى الأرض لتثبيت الشئ وتقويته. والمراد بها هنا المبانى الضخمة العظيمة، أو الجنود الذين يثبتون ملكه كما تثبت الأوتاد البيت، أو الملك الثابت ثبوت الأوتاد. قال الآلوسى ما ملخصه والأصل إطلاق ذى الأوتاد على البيت المشدود والمثبت بها، فشبه هنا فرعون فى ثبات ملكه.. ببيت ثابت ذى عماد وأوتاد.. أو المراد بالأوتاد الجنود لأنهم يقولون ملكه كما يقوى الوتد الشئ. أو المراد بها المبانى العظيمة الثابتة. ويصح أن تكون الأوتاد على حقيقتها فقد قيل إنه كان يربط من يريد قتله بين أوتاد متعددة، ويتركه مشدودا فيها حتى يموت.. أى وفرعون صاحب المبانى العظيمة، والجنود الأقوياء، والملك الوطيد... كذب رسولنا موسى - عليه السلام -، فكانت عاقبة هذا التكذيب أن أغرقناه ومن معه جميعا من جنوده الكافرين. وكذب - أيضا - قوم ثمود نبيهم صالحا، وقوم لوط نبيهم لوطا، وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب. كذبوه كذلك - فكانت نتيجة هذا التكذيب الإِهلاك لهؤلاء المكذبين - كما قال - تعالى -فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } والإِشارة فى قوله - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } تعود إلى هؤلاء الأقوام المكذبين لرسلهم وسموا بالأحزاب، لأنهم تحزبوا ضد رسلهم، وانضم بعضهم إلى بعض فى تكذيبهم، ووقفوا جميعا موقف المحارب لهؤلاء الرسل الكرام. وقوله - سبحانه - { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } استئناف مقرر لما قبله من تكذيب هؤلاء الأقوام لرسلهم، وبيان للأسباب التى أدت إلى عقاب المكذبين. و " إن " هنا نافية، ولا عمل لها لانتقاض النفى بإلا. و " إلا " أداة استثناء مفرغ من أعم الصفات أو الأحكام وجملة { كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } فى محل رفع خبر " كل ". أى ليس لهؤلاء الأقوام من صفات سوى تكذيب الرسل، فكانت نتيجة هذ التكذيب أن حل بهم عقابى وثبت عليهم عذابى.

السابقالتالي
2 3