الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

واسم الإِشارة " ذلك " فى قوله - تعالى - { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } يعود إلى نعيم الجنة الذى سبق الحديث عنه، والذى يشمل الرزق المعلوم وما عطف عليه. والاستفهام للتوبيخ والتأنيب. والنزل ما يقدم للضيف وغيره من طعام ومكان ينزل به. و " ذلك " مبتدأ، و " خير " خبره، و " نزلا " تمييز لخير، والخيرية بالنسبة لما اختاره الكفار على غيره، والجملة مقول لقول محذوف. وشجرة الزقوم هى شجرة لا وجود لها فى الدنيا، وإنما يخلقها الله - تعالى - فى النار، كما يخلق غيرها من أصناف العذاب كالحيات والعقارب. وقيل هى شجرة سامة متى مست جسد أحد تورم ومات، وتوجد فى الأراضى المجدبة المجاورة للصحراء. والزقوم من التزقم، وهو ابتلاع الشئ الكريه، بمشقة شديدة. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين أذلك النعيم الدائم الذى ينزل به المؤمنون فى الجنة خير، أم شجرة الزقوم التى يتبلغ بها الكافرون وهم فى النار، فلا يجدون من ورائها إلا الغم والكرب لمرارة طعمها، وقبح رائحتها وهيئتها. ومعلوم أنه لا خير فى شجرة الزقوم، ولكن المؤمنين لما اختاروا ما أدى بهم إلى نعيم الجنة وهو الإِيمان والعمل الصالح، واختار الكافرون ما أدى بهم إلى النار وبئس القرار، قيل لهم ذلك على سبيل التوبيخ والتقريع، لسوء اختيارهم. ثم بين - سبحانه - شيئا عن هذه الشجرة فقال { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } أى إنا جعلنا هذه الشجرة محنة وابتلاء وامتحانا لهؤلاء الكافرين الظالمين، لأنهم لما أخبرهم رسولنا صلى الله عليه وسلم بوجود هذه الشجرة فى النار. كذبوه واستهزأوا به، فحق عليهم عذابنا بسبب هذا التكذيب والاستهزاء. قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } أى، المشركين. وذلك أنهم قالوا. كيف تكون فى النار شجرة مع أن النار تحرق الشجر..؟ وكان هذا القول جهلا منهم، إذ لا يستحيل فى العقل أن يخلق الله فى النار شجرا من جنسها لا تأكله النار، كما يخلق الله فيها الأغلال والقيود والحيات والعقارب. ثم بين - سبحانه - أصل هذه الشجرة ومنبتها فقال { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } أى منبتها وأصلها يخرج من أسفل الجحيم، أما أغصانها وفروعها فترتفع إلى دركاتها. ثم بين - سبحانه - ثمرها فقال { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } أى ثمرها الذى يخرج منها، وحملها الذى يتولد عنها، يشبه فى تناهى قبحه وكراهيته، رؤوس الشياطين التى هى أقبح ما يتصوره العقل، وأبغض شئ يرد على الخاطر. قال صاحب الكشاف ما ملخصه شبه حمل شجرة الزقوم برؤوس الشياطين، للدلالة على تناهيه فى الكراهة وقبح المنظر، لأن الشيطان مكروه مستقبح فى طباع الناس، لاعتقادهم أنه شر محض لا يخالطه خير، فيقولون فى القبيح الصورة كأنه وجه شيطان، أو كأنه رأس شيطان، وإذا صوره المصورون صوروه على أقبح صورة.

السابقالتالي
2 3