الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } * { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } * { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

وقوله - تعالى - { زَيَّنَّا } من التزيين بمعنى التحسين والتجميل. والمراد بالسماء الدنيا السماء التى هى أقرب سماء إلى الأرض. فالدنيا مؤنث أدنى بمعنى أقرب. والكواكب جمع كوكب وهو النجم الذى يرى فى السماء. وقوله { بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } فيه ثلاث قراءات سبعية، فقد قرأ الجمهور بإضافة زينة إلى الكواكب. أى بلا تنوين فى لفظ " بزينة ". وقرأ بعضهم بتنوين لفظ " زينة " وخفض لفظ الكواكب على أنه بدل منه. وقرأ بعضهم بتنوين لفظ { بِزِينَةٍ } ونصب لفظ الكواكب، على أنه مفعول لفعل محذوف أى أعنى الكواكب. والمعنى إنا بقدرتنا وفضلنا زينا السماء الدنيا التى ترونها بأعينكم - أيها الناس - بالكواكب، فجعلناها مضيئة بحيث تهتدون بها فى سيركم من مكان إلى مكان. كما قال - تعالى - فى آية أخرىوَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } ومما لا شك أن منظر السماء وهى مليئة بالنجوم، يشرح الصدور، ويؤنس النفوس، وخصوصا للسائرين فى فجاح الأرض، أو ظلمات البحر. قوله - سبحانه - { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } ينان لما أحاط به - سبحانه - السماء الدنيا من حفظ ورعاية. ولفظ " حفظا " منصوب على المصدرية بإضمار فعل قبله. أى وحفظناها حفظا، أو معطوف على محل " بزينة ". والشيطان كل متمرد من الجن والإِنس والدواب. والمراد به هنا المتمرد من الجن. والمارد الشديد العتو والخروج عن طاعة الله - تعالى - المتعرى من كل خير. أى إنا جعلنا السماء الدنيا مزينة بالكواكب وضيائها، وجعلناها كذلك محفوظة من كل شيطان متجرد من الخير، خارج عن طاعتنا ورحمتنا. وقوله - سبحانه - { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } جملة مستأنفة لبيان حالهم عند حفظ السماء، وبيان كيفية الحفظ، وما يصيبهم من عذاب وهلاك إذا ما حاولوا استراق السمع منها. ولفظ " يسَّمَّعوُن " بتشديد السين - وأصله يتسمعون. فأدغمت التاء فى السين والضمير للشياطين، وقرأ الجمهور { لا يَسْمعون } بإسكان السين. قال صاحب الكشاف الضمير فى { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } لكل شيطان، لأنه فى معنى الشياطين، وقرئ بالتخفيف والتشديد. وأصله " يتسمعون ". والتسمع تطلب السماع. يقال تسمع فسمع. أو فلم يسمع. فإن قلت أى فرق بين سمعت فلانا يتحدث، وسمعت إليه يتحدث. وسمعت حديثه، وإلى حديثه؟ قلت المعدى بنفسه يفيد الإِدراك، والمعد بإلى يفيد الإِصغاء مع الإِدراك. والملأ فى الأصل الجماعة يجتمعون على أمر فيملأون النفوس هيبة، والمراد بالملأ الأعلى هنا الملائكة الذين يسكنون السماء. وسموا بذلك لشرفهم، ولأنهم فى جهة العلو، بخلاف غيرهم فإنهم يسكنون الأرض.

السابقالتالي
2