الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

قال صاحب الكشاف فإن قلت علام عطف قوله { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }؟ قلت هو معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلكيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } والمعنى يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشاربين. قال الشاعر
وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام   
فيقبل بعضهم على بعض { يَتَسَآءَلُونَ } عما جرى لهم وعليهم فى الدنيا. إلا أن جئ به ماضيا على عادة الله فى أخباره. أى أن هؤلاء العباد المخلصين، بعد أن أعطاهم الله ما أعطاهم من النعم، أقبل بعضهم على بعض { يَتَسَآءَلُونَ } فيما بينهم عن ذكرياتهم، وإذا بواحد منهم يقول لإخوانه - من باب التحدث بنعمة الله { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } أى إنى فى الدنيا كان لى صديق ملازم لى، ينهانى عن الإِيمان - بالبعث والحساب، ويقول لى - بأسلوب التهكم والاستهزاء { أَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } أى أئنك - أيها الرجل - لمن المصدقين بأن هناك بعثا وحسابا، وثوابا وعقابا، وجنة ونارا. ثم يضيف إلى ذلك قوله { أَإِذَا مِتْنَا } وانتهت حياتنا فى هذه الدنيا، ووضعنا فى قبورنا { وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً } أى وصارت أجسادنا مثل التراب ومثل العظام البالية. { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } أى أئنا بعد كل ذلك لمبعوثون ومعادون إلى الحياة مرة أخرى، ومجزيون بأعمالنا. فقوله - تعالى - { لَمَدِينُونَ } من الدين بمعنى الجزاء، ومنه قوله - تعالى -مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } والاستفهام للاستبعاد والإِنكار من ذلك القرين للبعث والحساب. وهنا يعرض هذا المؤمن على إخوانه، أن يشاركوه فى الاطلاع على مصير هذا القرين الكافر بالبعث فيقول لهم { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } أى هل أنتم مطلعون معى على أهل النار لنرى جميعا حال ذلك القرين الذى حكيت لكم حاله؟ والاستفهام للتخصيص، أى هيا صاحبونى فى الاطلاع على هذا القرين الكافر. { فَٱطَّلَعَ } ذلك الرجل المؤمن ومعه إخوانه على أهل النار. فرآه فى سواء الجحيم، أى فرأى ذلك الرجل الذى كان قرينه وصاحبه الملازم له فى الدنيا، ملقى به فى { سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أى فى وسط النار، وسمى الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى باقى الجوانب. قال الآلوسى واطلاع أهل الجنة على أهل النار، ومعرفة من فيها، مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بأن يخلق الله - تعالى - فيهم حدة النظر، ويعرفهم من أرادوا الاطلاع عليه. ولعلهم - إن أرادوا ذلك - وقفوا على الأعراف. فاطلعوا على من أرادوا الاطلاع عليه من أهل النار. وقبل إن لهم طاقات فى الجنة ينظرون منها من علو إلى أهل النار، وعلم القائل بأن القرين من أهل النار، لأنه كان منكرا للبعث. ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما قاله ذلك الرجل المؤمن لقرينه فى الدنيا بعد أن رآه فى وسط الجحيم فيقول.

السابقالتالي
2