الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } * { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } * { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } * { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ }

والواو فى قوله - تعالى - { وَٱلصَّافَّاتِ } للقسم. وجوابه قوله { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } و " الصافات " من الصف، وهو أن تجعل الشئ على خط مستقيم. تقول صففت القوم فاصطفوا، إذا أقمتهم على خط مستقيم. سواء أكانوا فى الصلاة، أم فى الحرب، أم فى غير ذلك. و " الزاجرات " من الزجر، وهو الدفع بقوة. تقول زجرت الإِبل زجرا - من باب قتل - إذا منعتها من الدخول فى شئ ودفعتها إلى غيره. و " التاليات " من التلاوة، بمعنى القراءة فى تدبر وتأمل. وأكثر المفسرين على أن المراد وأكثر المفسرين على أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات جماعة من الملائكة موصوفة بهذه الصفات. فيكون المعنى وحق الملائكة الذين يصفون أنفسهم صفا لعبادة الله - تعالى - وطاعته، أو الذين يصفون أجنحتهم فى السماء انتظاراً لأمر الله، والذين يزجرون غيرهم عن ارتكاب المعاصى، أو يزجرون السحاب إلى الجهات التى كلفهم الله - تعالى - بدفعه إليها، والذين يتلون آيات الله المنزلة على أنبيائه تقربا إليه - تعالى - وطاعة له. وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافون فى قوله - تعالى - فى السورة نفسهاوَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } كما جاء وصفهم بذلك فيما رواه مسلم فى صحيحه عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجداً. وجعلت لنا تربتها طهوراً إذا لم نجد الماء ". وفى حديث آخر رواه مسلم وغيره عن جابر بن سَمُرَه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم "؟ قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال " يتمون الصفوف المتقدمة، ويتراصون في الصف ". وجاء وصفهم بما يدل على أنهم يلقون الذكر على غيرهم من الأنبياء، لأجل الإِعذار والإِنذار به. كما فى قوله - تعالى - فى أوائل المرسلاتفَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً. عُذْراً أَوْ نُذْراً } قال الإِمام ابن كثير قوله { فَٱلتَّالِيَاتِ ذِكْراً } هم الملائكة يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس، وهذه الآية كقوله - تعالى -فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً. عُذْراً أَوْ نُذْراً } ومنهم من يرى أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات هنا العلماء الذين يصفون أقدامهم عند الصلاة وغيرها من الطاعات، ويزجرون غيرهم عن المعاصى، ويتلون كلام الله - تعالى -. ومنهم من يرى أن المراد بالصافات الطيور التى تصف أجنحتها فى الهواء بالزاجرات وبالتاليات جماعات الغزاة فى سبيل الله، الذين يزجرون أعداء الله - تعالى - ويكثرون من ذكره. ويبدو لنا أن القول الأول هو الأظهر والأرجح، لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى سقناها قبل ذلك تؤيده، ويؤيده - أيضا - ما يجئ بعد ذلك من أوصاف للملائكة كما فى قوله - تعالى -

السابقالتالي
2 3