وقوله - تعالى - { فَٱسْتَفْتِهِمْ... } معطوف على قوله - تعالى - فى أوائل السورة{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ... } عطف جملة على جملة. والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والاستفتاء الاستخبار والاستفهام وطلب الفتيا من المفتى. أى أسأل - أيها الرسول - هؤلاء المشركين سؤال تقريع وتأنيب { أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } أى أسألهم بأى وجه من وجوه القسمة جعلوا لربك البنات وجعلوا لأنفسهم البنين؟ إن قسمتهم هذه لهى قسمة جائرة وفاسدة عند كل عاقل، لأنه لا يليق فى أى عقل أن يجعلوا لله - تعالى - الجنس الأدنى وهو جنس الإِناث، بينما يجعلون لأنفسهم الجنس الأعلى. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -{ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } قال صاحب الكشاف { فَٱسْتَفْتِهِمْ } معطوف على مثله فى أول السورة، وإن تباعدت بينهما المسافة، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث أولا. ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التى قسموها، حيث جعلوا لله الإِناث ولأنفسهم الذكور، فى قولهم الملائكة بنات الله، مع كراهتهم الشديدة لهن. ولقد ارتكبوا فى ذلك ثلاثة أنواع من الكفر أحدها التجسيم، لأن الولادة مختصة بالأجسام. والثانى تفضيل أنفسهم على ربهم، حيث جعلوا أوضع الجنسين له، وأرفعهما لهم. والثالث أنهم استهانوا بأكرم خلق الله، وأقربهم إليه، حيث أنثوهم. ولو قيل لأقلهم وأدناهم فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء، للبس لقائله جلد النمور، ولا نقلبت حماليقه - أى أجفان عينيه. وقوله - سبحانه - { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } تقريع آخر لهم على جهالاتهم وسفههم، حيث أضرب - سبحانه - عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه فى التبكيت والتأنيب. أى إنهم زعموا أنه لربك البنات ولهم البنون، فهل كانوا حاضرين وقت أن خلقنا الملائكة حتى يعرفوا أنهم إناث؟ كلا إنهم لم يكونوا حاضرين وإنما هم يهرفون بما لا يعرفون. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -{ وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } قال صاحب الكشاف فإن قلت لم قال { وَهُمْ شَاهِدُونَ } فخص علم المشاهدة؟ قلت ما هو إلا الاستهزاء بهم وتجهيل.. وذلك لأنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة، لم يعلموه بخلق علمه فى قلوبهم، ولا بإخبار صادق، ولا بطريق استدلال ونظر. ثم أخبر - سبحانه - عن كذبهم فقال { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } والإِفك أشنع الكذب وأقبحه. يقال أفِك فلان كضرب وعلم - إِفْكا وأَفْكاً، إذا كذب كذبا فاحشا. أى ألا إن هؤلاء الكافرين.