الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

ويونس - عليه السلام - هو ابن متى، وقد ثبت فى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ". وملخص قصته أن الله - تعالى - أرسله إلى أهل نينوى بالعراق، وفى حوالى القرن الثامن قبل الميلاد، فدعاهم إلى إخلاص العبادة لله - فاستعصوا عليه، فضاق بهم ذرعا، وأخبرهم أن العذاب سيأتيهم خلال ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث خرج يونس من بلدة قومه، قبل أن يأذن الله له بالخروج، فلما افتقده قومه، آمنوا وتابوا، وتضرعوا بالدعاء إلى الله قبل أن ينزل بهم العذاب. فلما لم ير يونس نزول العذاب، استحى أن يرجع إليهم وقال لا أرجع إليهم كذابا أبدا، ومضى على وجهه فأتى سفينة فركبها فلما وصلت اللجة وقفت ولم تتحرك. فقال صاحبها ما يمنعها أن تسير إلا أن فيكم رجلا مشئوما، فاقترعوا ليلقوا فى البحر من وقعت عليه القرعة، فكانت على يونس ثم أعادوها فوقعت عليه، فلما رأى ذلك ألقى بنفسه فى البحر، فالتقمه الحوت. والمعنى وإن يونس - عليه السلام - لمن المرسلين الذين اصطفيناهم لحمل رسالتنا وتبليغها إلى الناس. { إِذْ أَبَقَ } أى هرب من قومه بغير إذن من ربه - يقال أبق العبد - كضرب ومنع - إذا هرب من سيده فهو آبق. { إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أى هرب من قومه إلى الفلك الملئ بالناس والأمتعة { فَسَاهَمَ } أى فقارع من فى السفينة بالسهام، يقال استهم القوم إذا اقترعوا { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ }. أى من المغلوبين حيث وقعت عليه القرعة دون سواء. يقال دحضت حجة فلان، إذا بطلت وخسرت. { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } أى بعد أن وقعت القرعة عليه، ألقى بنفسه فى البحر، { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } أى ابتلعه بسرعة يقال لَقِم فلان الطعام - كسمع - والتقمه، إذا ابتلعه بسرعة، وتَلَّقمه إذا ابتلعه على مهل. وجملة { وَهُوَ مُلِيمٌ } حالية فى محل نصب، أى فالتقمه الحوت وهو مكتسب من الأفعال ما يلام عليه، حيث غادر قومه بدون إذن من ربه. يقال رجل مليم، إذا أتى من الأقوال أو الأفعال ما يلام عليه، وهو اسم فاعل من ألاَم الرجل، إذا أتى ما يلام عليه. { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أى فلولا أن يونس - عليه السلام - كان من المسبحين لله - تعالى - المداومين على ذكره. لولا هذا التسبيح للبث يونس ف بطن الحوت إلى يوم القيامة. فهاتان الآيتان تدلان دلالة واضحة على أن الإكثار من ذكر الله - تعالى - وتسبيحه.

السابقالتالي
2