الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } * { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } * { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } * { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

والفاء فى قوله - تعالى - { فَٱسْتَفْتِهِمْ... } هى الفصيحة، والاستفتاء الاستخبار عن الشئ ومعرفة وجه الصواب فيه. والمراد من الاستفهام فى الآية توبيخ المشركين على إصرارهم على شركهم وجهلهم. وتعجيب العقلاء من أحوالهم. واللازب أى الملتصق بعضه ببعض. يقال لزب الشئ يلزب لزبا ولزوبا، إذا تداخل بعضه فى بعض، والتصق بعضه ببعض. والطين اللازب هو الذى يلزق باليد - مثلا - إذا ما التقت به قال النابغة الذبيانى
فلا تحسبون الخير لا شر بعده ولا تحسبون الشر ضربة لازب   
أى ضربة ملازمة لا مفارقة لها. والمعنى إذا كان الأمر كما أخبرناك أيها الرسول الكريم - من أن كل شئ فى هذا الكون يشهد بوحدانيتنا وقدرتنا، فاسأل هؤلاء المشركين { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أى أهم أقوى خلقة وأمتن بنية، وأضخم أجسادا.. { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } من ملائكة غلاظ شداد، ومن سماوات طباق، ومن أرض ذات فجاج. لا شك أنهم لن يجدوا جوابا يردون به عليك، سوى قولهم إن خلق الملائكة والسموات والأرض. أشد من خلقنا. وقوله - تعالى - { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } إشارة إلى المادة الأولى التى خلقوا منها فى ضمن خلق أبيهم آدم - عليه السلام -. أى إنا خلقناهم من طين ملتصق بعضه ببعض، ومتداخل بعضه فى بعض. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد ساقت دليلين واضحين على صحة البعث الذى أنكره المشركون. أما الدليل الأول فهو ما يعترفون به من أن خلق السموات والأرض والملائكة.. أعظم وأكبر منهم.. ومن كان قادراً على خلق الأعظم والأكبر كان من باب أولى قادرا على خلق الأقل والأصغر. وقد ذكر - سبحانه - هذه الحقيقة فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى -لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } وأما الدليل الثانى فهو قوله - تعالى - { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } وذلك لأن من خلقهم أولا من طين لازب، قادر على أن يعيدهم مرة أخرى بعد أن يصيروا ترابا وعظاما. إذ من المعروف لدى كل عاقل أن الإِعادة أيسر من الابتداء. وقد قرر - سبحانه - هذه الحقيقة فى آيات منها قوله - تعالى -وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ثم بين - سبحانه - أن حال هؤلاء المشركين تدعو إلى العجب فقال { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ }. قال الجمل وقوله { بَلْ عَجِبْتَ } إضراب إما عن مقدر دل عليه قوله { فَٱسْتَفْتِهِمْ } أى هم لا يقرون بل عجبت، وإما عن الأمر بالاستفتاء، أى لا تستفتهم فإنهم معاندون، بل انظر إلى تفاوت حالك وحالهم.

السابقالتالي
2 3