الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } * { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآيات، " أن أُبيَّ بن خلف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفتته ويذريه في الهواء ويقول يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم نعم. يميتك الله - تعالى - ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار " ونزلت هذه الآيات إلى آخر السورة... والمراد بالإِنسان جنسه. ويدخل فيه المنكرون للبعث دخولا أوليا. وأصل النطفة الماء القليل الذى يبقى فى الدلو أو القربة. وجمعها نطف ونطاف. يقال نطفت القربة، إذا تقاطر ماؤها بقلة. والمراد بها هنا المنى الذى يخرج من الرجل، إلى رحم المرأة. والخصيم الشديد الخصام والجدال لغيره، والمراد به هنا الكافر والمجادل بالباطل. والمعنى أبلغ الجهل بهذا الإِنسان، أنه لم يعلم أنا خلقناه بقدرتنا، من ذلك الماء المهين الذى يخرج من الرجل فيصب فى رحم المرأة، وأن من أوجده من هذا الماء قادر على أن يعيده إلى الحياة بعد الموت. لقد كان من الواجب عليه أن يدرك ذلك، ولكنه لغفلته وعناده، بادر بالمبالغة فى الخصومة والجدل الباطل. وجاهر بذلك مجاهرة واضحة، مع علمه بأصل خلقته. قال الآلوسى ما ملخصه وقوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ } كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث، بعد ما شاهدوا فى أنفسهم ما يوجب التصديق به... والهمزة للإِنكار والتعجب من أحوالهم، وإيراد الإِنسان مورد الضمير، لأن مدار الإِنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان. والمراد بالإِنسان الجنس. والخصيم إنما هو الكافر المنكر للبعث مطلقا. وقوله { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } عطف على الجملة المنفية، داخل فى حيز الإِنكار والتعجب كأنه قيل أو لم ير أنا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها، فأظهر الخصومة فى أمر يشهد بصحته مبدأ فطرته شهادة بينة... وقوله - تعالى - { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } معطوف على الكلام المتقدم، وداخل فى حيز الإِنكار. أى أن هذا الإِنسان الجاهل المجادل بالباطل، لم يكتف بذلك، بل ضرب لنا مثلاً هو فى غاية الغرابة، حيث أنكر قدرتنا على إحياء الموتى، وعلى بعثهم يوم القيامة، فقال - دون أن يفطن إلى أصل خلقته - من يحيى العظام وهى رميم، أى وهى بالية أشد البلى. فرميم بزنة فعيل بمعنى فاعل. من رَمَّ اللازم بمعنى بَلِىَ، أو بمعنى مفعول، من رم المتعدى بمعنى أبْلَى يقال رمه إذا أبلاه. فيستوى فيه المذكر والمؤنث. قال صاحب الكشاف فإن قلت لم سمى قوله { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } مثلاً؟ قلت لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل، وهى إنكار قدرة الله - تعالى - على إحياء الموتى.

السابقالتالي
2