الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

فقوله - تعالى - { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } بيان لأحوالهم الطيبة، بعد بيان أحوال الكافرين السيئة. والشغل الشأن الذى يشغل الإِنسان عما سواه من الشئون، لكونه أهم عنده من غيره، وما فيه من التنكير للتفخيم، كأنه قيل فى شغل أى شغل. وفاكهون أى متنعمون متلذذون فى النعمة التى تحيط بهم، مأخوذ من الفكاهة - بفتح الفاء - وهي طيب العيش مع النشاط. يقال فكه الرجل فكها وفاكه فهو فكه وفاكه، إذا طاب عيشه، وزاد سروره، وعظم نشاطه وسميت الفاكهة بذلك لتلذذ الإنسان بها. أى يقال للكافرين فى يوم الحساب والجزاء زيادة فى حسرتهم - إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل عظيم، يتلذذون فيه بما يشرح صدورهم، ويرضي نفوسهم، ويقر عيونهم، ويجعلهم فى أعلى درجات التنعم والغبطة. وعبر عن حالهم هذه بالجملة الاسمية المؤكدة، للإِشعار بأن هذه الحال ثابتة لهم ثبوتا تاما، بفضل الله - تعالى - وكرمه. ثم بين - سبحانه - جانبا من كيفية هذا التمتع بالجنة ونعيمها فقال { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ }. و " هم " مبتدأ، و " أزواجهم " معطوف عليه. و " متكئون " خبر المبتدأ. قال الإمام الرازى ولفظ الأزواج هنا يحتمل وجهين أحدهما أشكالهم فى الإحسان. وأمثالهم فى الإيمان، كما قال - تعالى -وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } وثانيهما الأزواج هم المفهومون من زوج المرأة وزوجة الرجل، كما فى قوله - تعالى -إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ... } ويبدو أن المراد بالأزواج هنا حلائلهم اللاتى أحلهن الله لهم، زيادة فى مسرتهم ويهجتهم، وعلى هذا سار عامة المفسرين. والظلال جمع ظل أو ظلة، وهى ما يظل الإِنسان ويقيه من الحر. والأرائك جمع أريكة وهى ما يجلس عليه الإِنسان من سرير ونحوه للراحة والمتعة. أى أن أصحاب الجنة هم وحلائلهم يجلسون على الأرائك متكئين فى متعة ولذة. { لَهُمْ فِيهَا } أى فى الجنة { فَاكِهَةٌ } كثيرة متنوعة { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } أى ولهم فوق ذلك جميع ما يطلبونه من مطالب وما يتمنونه من أمنيات. فقوله { يَدَّعُونَ } يصح أن يكون من الدعاء بمعنى الطلب، كما يصح أن يكون من الادعاء بمعنى التمنى. يقال ادعُ علىَّ ما شئتَ أى تمن علىَّ ما شئت. ويقال فلان فى خير ما يدَّعِى، أى فى خير ما يتمنى. ثم ختم - سبحانه - هذا العطاء الجزيل للمؤمنين بقوله { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }. وللمفسرين فى إعراب قوله { سَلاَمٌ } أقوال منها أنه مبتدأ خبره الناصب للفظ { قَوْلاً } أى سلام يقال لهم قولا... وقد أشار صاحب الكشاف إلى بعض هذه الأقوال فقال وقوله { سَلاَمٌ } بدل من قوله { مَّا يَدَّعُونَ } كأنه قال لهم سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم.

السابقالتالي
2 3