الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } * { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

وقوله - تعالى - { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ... } حكاية لموقف المشركين من الناصحين لهم، ويكف أنهم صموا آذانهم عن سماع الآيات التنزيلية، بعد صممهم عن التفكر فى الآيات التكوينية. أى وإذا قال قائل لهؤلاء المشركين على سبيل النصح والإِرشاد { ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } أى احذروا ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر، وصونوا أنفسكم عن ارتكاب المعاصى التى ارتكبها الظالمون من قبلكم، فأهلكوا بسببها وأبيدوا، وآمنوا بالله ورسوله واعملوا العمل الصالح، لعلكم بسبب ذلك تنالون الرحمة من الله - تعالى -. وجواب " إذا " محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير إذا قيل لهم ذلك أعرضوا عن الناصح، واستخفوا به، وتطاولوا عليه. ويشهد لهذا الجواب المحذوف قوله - تعالى - بعد ذلك { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ }. و " من " الأولى مزيدة لتأكيد إعراضهم وصممهم عن سماع الحق، والثانية للتبعيض. أى ولقد بلغ الجحود والجهل والعناد عند هؤلاء المشركين، أنهم ما تأتيهم آية من الآيات التى تدل على وحدانية الله - تعالى - وقدرته، وعلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فى دعوته، إلا كانوا عن كل ذلك معرضين إعراضا تاما، شأنهم فى ذلك شأن الجاحدين من قبلهم. وأضاف - سبحانه - إليه الآيات التى أتتهم، لتفخيم شأنها، وبيان أنها آيات عظيمة، كان من شأنهم - لو كانوا يعقلون - أن يتدبروها، ويتبعوا من جاء بها. ثم حكى - سبحانه - موقفا آخر، من مواقفهم القبيحة ممن نصحهم وأرشدهم إلى الصواب، فقال - تعالى - { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ... }. وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية روايات منها أن أبا بكر الصديق - رضى الله عنه - كان يطعم مساكين المسلمين، فلقيه أبو جهل فقال له يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال نعم. قال فما باله لم يطعمهم؟ قال أبو بكر ابتلى - سبحانه - قوما بالفقر، وقوما بالغنى، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإِعطاء. فقال أبو جهل والله يا أبا بكر إن أنت إلا فى ضلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم، ثم تطعمهم أنت.. فنزلت هذه الآية. وقيل كان العاصى بن وائل السهمى، إذا سأله المسكين قال له اذهب إلى ربك فهو أولى منى بك. ثم يقول قد منعه الله فأطعمه أنا.. والمعنى وإذا قال قائل من المؤمنين لهؤلاء الكافرين أنفقوا على المحتاجين شيئا من الخير الكثير الذى رزقكم الله - تعالى - إياه.

السابقالتالي
2 3 4