الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } * { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } * { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } * { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ }

قال الإِمام الرازى ما ملخصه قوله { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا } وجه تعلقه بما قبله، أنه - سبحانه - لما قالوَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } كان ذلك إشارة إلى الحشر، فذكر ما يدل على إمكانه قطعا لإِنكارهم واستبعادهم، وعنادهم فقال { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا... } أى وكذلك نحيى الموتى... والمراد بالآية هنا العلامة والبرهان والدليل. والمراد بالأرض الميتة الأرض الجدباء التى لا نبات فيها. والمراد بالحب جنسه من حنطة وشعير وغيرهما. أى ومن العلامات الواضحة لهؤلاء المشركين على قدرتنا على إحياء الموتى، أننا ننزل الماء على الأرض الجدباء، فتهتز وتربو، وتخرج ألوانا وأصنافا من الحبوب التى يعيشون عليها. ويأكلون منها. وذكر - سبحانه - لفظ { آية } للإِشعار بأنها آية عظيمة، كان ينبغى لهؤلاء المشركين أن يلتفتوا إليها، لأنهم يشاهدون بأعينهم الأرض القاحلة السوداء، كيف تتحول إلى أرض خضراء بعد نزول المطر عليها. والله - تعالى - الذى قدر على ذلك، قادر - أيضا - على إحياء الموتى وإعادتهم إلى الحياة. وقوله { أَحْيَيْنَاهَا } كلام مستأنف مبين لكيفية كون الأرض الميتة آية. وقدم - سبحانه - الجار والمجرور فى قوله { فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } للدلالة على أن الحَبَّ هو الشئ الذى تكون منه معظم المأكولات التى يعيشون عليها، وأن قِلَّتَه تؤدى إلى القحط والجوع. ثم بين - سبحانه - بعض النعم الأخرى التى تحملها الأرض لهم فقال { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ }. والآية الكريمة معطوفة على قوله { أَحْيَيْنَاهَا } ، ونخيل جمع نخل، كعبيد جمع عبد، وأعناب جمع عنب والعيون، جمع عين. والمراد بها الآبار التى تسقى بها الزروع. أى أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء.. وجعلنا فيها - بقدرتنا ورحمتنا - بساتين كثيرة من نخيل وأعناب، وفجرنا وشققنا فيها كثيرا من الآبار والعيون التى تسقى بها تلك الزروع والثمار. وخص النخيل والأعناب بالذكر، لأنها أشهر الفواكه المعروفة لديهم، وأنفعها عندهم. واللام فى قوله { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } متعلق بقوله { وجعلنا... }. والضمير فى قوله { مِن ثَمَرِهِ } يعود إلى المذكور من الجنات والنخيل والأعناب. أو إلى الله - تعالى -. أى وجعلنا فى الأرض ما جعلنا من جناب ومن نخيل ومن أعناب، ليأكلوا ثمار هذه الأشياء التى جعلناها لهم، وليشكرونا على هذه النعم. و " ما " فى قوله { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } الظاهر أنها نافية والجملة حالية، والاستفهام للحض على الشكر. أى جعلنا لهم فى الأرض جنات من نخيل وأعناب، ليأكلوا من ثمار ما جعلناه لهم، وإن هذه الثمار لم تصنعها أيديهم، وإنما الذى أوجدها وصنعها هو الله - تعالى - بقدرته ومشيئته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6