الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } * { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } * { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } * { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } * { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }

وقوله - سبحانه - { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ.. } معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة، والتقدير وانتشر خبر الرسل بين أصحاب القرية، وعلم الناس بتهديد بعضهم لهم { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ } أى من أبعد مواضعها { رَجُلٌ يَسْعَىٰ } أى رجل ذو فطرة سليمة، يسرع الخطا لينصح قومه، وينهاهم عن إيذاء الرسل ويأمرهم باتباعهم. قالوا وهذا الرجل كان اسمه حبيب النجار، لأنه كان يشتغل بالنجارة. وقد أكثر بعض المفسرين هنا من ذكر صناعته وحاله قبل مجيئه، ونحن نرى أنه لا حاجة إلى ذلك، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه فيما ذكروه عنه. ويكفيه فخرا هذا الثناء من الله - تعالى - عليه بصرف النظر عن اسمه أو صنعته أو حاله، لأن المقصود من هذه القصة وأمثالها فى القرآن الكريم هو الاعتبار والافتداء بأهل الخير. وعبر هنا بالمدينة بعد التعبير عنها فى أول القصة بالقرية للإِشارة إلى سعتها، وإلى أن خبر هؤلاء الرسل قد انتشر فيها من أولها إلى آخرها. والتعبير بقوله { يسعى } يدل على صفاء نفسه، وسلامة قلبه، وعلو همته، ومضاء عزيمته، حيث أسرع بالحضور إلى الرسل وإلى قومه، ليعلن أمام الجميع كلمة الحق، ولم يرتض أن يقبع فى بيته - كما يفعل الكثيرون - بل هرول نحو قومه، ليقوم بواجبه فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وقوله - تعالى - { قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } بيان لما بدأ ينصح قومه به بعد وصوله إليهم. أى { قال } لقومه على سبيل الإِرشاد والنصح { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } الذين جاءوا لهدايتكم إلى الصراط المستقيم، ولإِنقاذكم من الضلال المبين الذى انغمستم فيه. ثم أكد هذه الدعوة بقوله { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } اتبعوا هؤلاء الرسل الذين جاءوا بأمر ربكم إليكم، ليرشدوكم إلى الطريق الحق، والحال أنهم فى أنفسهم ثابتون على الهدى، راسخون فى التمسك بالعقيدة السليمة. ثم أخذ بعد ذلك فى حض قومه على اتباع الحق، عن طريق بيان الأسباب التى حملته على الإِيمان، حتى يستثير قلوبهم نحو الهدى، فقال - كما حكى القرآن عنه - { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ. إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ. إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ }. أى قال الرجل الصالح لقومه وأى مانع يمنعنى من أن أعبد الله - تعالى - وحده، لأنه هو الذى خلقنى ولم أكن قبل ذلك شيئا مذكورا، وهو الذى إليه يكون مرجعكم بعد مماتكم، فيحاسبكم على أعمالكم فى الدنيا، ويجازيكم عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.

السابقالتالي
2 3 4 5