الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } * { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } * { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } * { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }

قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ } وهذه القرية هى " أنطاكية " فى قول جميع المفسرين... والمرسلون قيل هم رسل من الله على الابتداء. وقيل إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله - تعالى -. ولم يرتض ابن كثير ما ذهب إليه القرطبى والمفسرون من أن المراد بالقرية " أنطاكية " كما أنه لم يرتض الرأى القائل بأن الرسل الثلاثة كانوا من عند عيسى - عليه السلام - فقد قال - رحمه الله - ما ملخصه وقد تقدم عن كثير من السلف، أن هذه القرية هى أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عيسى - عليه السلام - وفى ذلك نظر من وجوه أحدها أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله - عز وجل - لا من جهة عيسى، كما قال - تعالى - { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ... }. الثانى أن أهل أنطاكية آمنوا برسل عيسى إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح عليه السلام، ولهذا كانت عند النصارى، إحدى المدن الأربعة التى فيها بتاركه - أى، علماء بالدين المسيحى.. الثالث أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب عيسى، كانت بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغيره، أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين... فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة. قرية أخرى غير أنطاكية.. فإن هذه القرية المشهورة بهذا الاسم لم يعرف أنها أهكلت، لا فى الملة النصرانية ولا قبل ذلك. والذى يبدو لنا أن ما ذهب إليه الإِمام ابن كثير هو الأقرب إلى الصواب وأن القرآن الكريم لم يذكر من هم أصحاب القرية، لأن اهتمامه فى هذه القصة وأمثالها، بالعبر والعظات التى تؤخذ منها. وضرب المثل فى القرآن الكريم كثيرا ما يستعمل فى تطبيق حالة غريبة، بأخرى تشبهها، كما فى قوله - تعالى -ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } فيكون المعنى واجعل - أيها الرسول الكريم - حال أصحاب القرية، مثلا لمشركى مكة فى الإِصرار على الكفر والعناد، وحذرهم من أن مصيرهم سيكون كمصير هؤلاء السابقين، الذين كانت عاقبتهم أن أخذتهم الصيحة فإذا هم خامدون، لأنهم كذبوا المرسلين. وقوله - سبحانه - { إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } بدل اشتمال من { أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ }. والمراد بالمرسلين الذين أرسلهم الله إلى أهل تلك القرية، لهدايتهم إلى الحق.

السابقالتالي
2 3