الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } * { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

قال أبو حيان - رحمه الله - لما ذكر - سبحانه - أشياء من الأمور السماوية، وإرسال الملائكة، أتبع ذلك بذكر أشياء من الأمور الأرضية كالرياح وإرسالها، وفى هذا احتجاج على منكرى البعث، دلهم على المثال الذى يعاينونه، وهو إحياء الموتى سيان. وفى الحديث " أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحيى الله الموتى وما آية ذلك فى خلقه؟ فقال " هل مررت بوادى أهلا محلا - أى مجدبا لا نبات فيه - ثم مررت به يهتز خضرا؟ فقالوا نعم، فقال فكذلك يحيى الله الموتى، وتلك آيته فى خلقه ". فقوله - تعالى - { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - عز وجل - ومن سعة رحمته بعباده. وقوله { فَتُثِيرُ } من الإِثارة بمعنى التهييج والتحريك من حال إلى حال. أى والله - تعالى - وحده، هو الذى أرسل الرياح، فجعلها بقدرته النافذة تحرك السحب من مكان إلى مكان، فتذهب بها تارة إلى جهة الشمال، وتارة إلى جهة الجنوب، وتارة إلى غير ذلك. وقوله { فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ } بيان للحكمة من هذه الإِثارة، والمراد بالبلد الميت الأرض الجدباء التى لا نبات فيها. والضمير فى { فَسُقْنَاهُ } يعود إلى السحاب. وقوله { فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أى فأحيينا بالمطر النازل من السحاب الأرض الجدباء، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. فالضمير فى قوله { بِهِ } يعود إلى المطر، لأن السحاب يدل عليه لما بينهما من تلازم، ويصح أن يعود إلى السحاب لأنه سبب نزول الأمطار. وقال - سبحانه - { فَتُثِيرُ } بصيغة المضارع. استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على قدرة الله - تعالى -، والتى من شأنها أن تغرس العظات والعبر فى النفوس. وقال - سبحانه - { فَسُقْنَاهُ } { فَأَحْيَيْنَا } بنون العظمة، وبالفعل الماضى، للدلالة على تحقق قدرته ورحمته بعباده. قال صاحب الكشاف ما ملخصه فإن قلت لم جاء { فَتُثِيرُ } على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟. قلت ليحكى الحال التى تقع فيها إثارة الرياح للحساب، وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدر الربانية، وهكذا يفعلون بكل فعل فيه نوع تمييز وخصوصية.. ولما كان سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها، من الدلائل على القدرة الباهرة قيل فسقنا، وأحيينا، معدولا بهما عن لفظ الغيبة، إلى ما هو أدخل فى الاختصاص وأدل عليه... والكاف فى قوله - تعالى - { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } بمعنى مثل، وهى فى محل رفع على الخبرية. أى مثل الإِحياء الذى تشاهدونه للأرض بعد نزول المطر عليها، يكون إحياء الأموات منكم. قال الإِمام الرازى فإن قيل ما وجه التشبيه بقوله { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ }؟ فالجواب من وجوه أحدها أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها، كذلك الأعضاء تقبل الحياة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7