الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

قال الآلوسى قوله { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } تسلية له صلى الله عليه وسلم بعموم البلية، والوعد له صلى الله عليه وسلم والوعيد لأعدائه. والمعنى وإن استمروا على أن يكذبوك فيما بلغت إليهم من الحق المبين.. فتأس بأولئك الرسل فى الصبر، فقد كذبهم قومهم فصبروا على تذكيبهم. فجملة { فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } قائمة مقام جواب الشرط، والجواب فى الحقيقة تأس. وأقيمت تلك الجملة مقامه، اكتفاء بذكر السبب عن ذكر المسبب... وجاء لفظ الرسل بصيغة التنكير، للإِشعار بكثرة عددهم، وسمو منزلتهم. أى وإن يكذبك - أيها الرسول الكريم - قومك، فلا تخزن، ولا تبتئس، فإن إخوانك من الأنبياء الذين سبقوك، قد كذبهم أقوامهم، فأنت لست بدعا فى ذلك. ومن الآيات الكثيرة التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى -مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } وقوله - عز وجل -وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ.. } ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تسليته صلى الله عليه وسلم فقال { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }. أى وإلى الله - تعالى - وحده ترجع أمور الناس وأحوالهم وأعمالهم وأقوالهم. وسيجازى - سبحانه - الذين أساءوا بما عملوا، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى. ثم وجه - سبحانه - نداء ثانيا إلى الناس. بين لهم فيه أن البعث حق، وأن من الواجب عليهم أن يستعدوا لاستقبال هذا اليوم بالإِيمان والعمل الصالح فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ... }. أى إنما وعدكم الله - تعالى - به من البعث والحساب والثواب والعقاب، حق لا ريب فيه، وما دام الأمر كذلك، { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } أى فلا تخدعنكم بمتعها، وشهواتها، ولذائذها، فإنها إلى زوال وفناء، ولا تشغلنكم هذه الحياة الدنيا من أداء ما كلفكم - سبحانه - بأدائه من فرائض وتكاليف. { وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أى ولا يخدعنكم عن طاعة ربكم، ومالك أمركم { ٱلْغَرُورُ }. أى الشيطان المبالغ فى خداعكم، وفى صرفكم عن كل ما هو خير وبر. فالمراد بالغرور هنا الشيطان الذى أقسم بالأيمان المغلظة، بأنه لن يكف عن إغواء بنى آدم، وعن تزيين الشرور والآثام لهم. فالمقصود بالآية الكريمة تذكير الناس بيوم القيامة وما فيه من أهوال. وتحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان، فإن لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر. ثم أكد - سبحانه - هذا التحذير بقوله { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ } يا بنى آدم، عداوة قيدمة وباقية إلى يوم القيامة. وما دام الأمر كذلك { فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } أى فاتخذوا أنتم عدوا لكم فى عقائدكم.

السابقالتالي
2 3