الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } * { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } * { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }

قال القرطبى قوله - تعالى - { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ.. } هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم حين بلغهم أن أهل الكتاب، كذبوا رسلهم، فلعنوا من كذب نبيه منهم.. ". و { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أى أقوى أيمانهم وأغلظها والجهد الطاقة والوسع والمشقة. يقال جهد نفسه يجهدها فى الأمر، إذا بلغ بها أقصى وسعها وطاقتها فيه. والمراد أنهم أكدوا الأيمان ووثقوها، بكل ألفاظ التوكيد والتوثيق. أى أن كفار مكة، أقسموا بالله - تعالى - قسماً مؤكداً موثقاً مغلظاً، { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } أى نبى ينذرهم بأن الكفر باطل وأن الإِيمان بالله هو الحق. { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ } سبيلا { مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } أى ليكونن أهدى من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم فى اتباعهم وطاعتهم، لهذا الرسول الذى يأتيهم من عند ربهم لهدايتهم إلى الصراط المستقم. { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذى هو أشرف الرسل. { مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } أى ما زادهم مجيئه لهم إلا نفورا عن الحق، وتباعدا عن الهدى. أى أنهم قبل مجئ الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتمنون أن يكون الرسول منهم، لا من غيرهم، وأقسموا بالله بأنهم سيطيعونه فلما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم نفروا عنه ولم يؤمنوا به. وإنما كان القسم بالله - تعالى - غاية أيمانهم، لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وبأصنامهم، فإذا اشتد عليهم الحال، وأرادوا تحقيق الحق، حلفوا بالله - تعالى -. وقوله { لَّيَكُونُنَّ } جواب القسم المقدر. وقوله { مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } جواب لمَّا. وقوله - تعالى - { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ } بدل من { نُفُوراً } أو مفعول لأجله { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } معطوف على استكبارا. والمراد بمكرهم السيئ تصميمهم على الشرك، تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم، من أجل المعاندة للحق، والاستكبار عنه، ومن أجل المكر السيئ الذى استولى على نفوسهم، والحق الدفين الذى فى قلوبهم. وقوله { ٱلسَّيِّىءِ } صفة لموصوف محذوف. وأصل التركيب وأن مكروا المكر السيئ، فأقيم المصدر مقام أن والفعل، وأضيف إلى ما كان صفة له. وقوله - تعالى - { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } بيان لسوء عاقبة مكرهم، وأن شره ما نزل إلا بهم. وقوله { يَحِيقُ } بمعنى يحيط وينزل. يقول حاق بفلان الشئ، إذا أحاط ونزل به. أى ولا ينزل ولا يحيط شر لك المكر السيئ إلا بأهله الماكرين. قال صاحب الكشاف لقد حاق بهم يوم بدر. وعن النبى صلى الله عليه وسلم " لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا، فإن الله - تعالى - يقول { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً، فإن الله - تعالى - يقول { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } ".

السابقالتالي
2