الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

وقوله - تعالى - { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ.. } بيان لجانب من فضله - تعالى - على بنى آدم. و { خَلاَئِفَ } جملة خليفة، وهو من يخلف غيره. أى هو - سبحانه - الذى جعلكم خلفاء فى أرضه، وملككم كنوزها وخيراتها ومنافعها، لكى تشكروه على نعمه، وتخلصوا له العبادة والطاعة. أو جعلكم خلفاء لمن سبقكم من الأمم البائدة، فاعتبروا بما أصابهم من النقم بسبب إعراضهم عن الهدى، واتبعوا ما جاءكم به من رسولكم صلى الله عليه وسلم. وقوله { فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أى فمن كفر بالحق الذى جاءه به الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر على ذلك، فعلى نفسه يكون وبال كفره لا على غيره. { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً } أى لا يزيدهم إلا بغضاً شديداً من ربهم لهم، واحتقارهم لحالهم وغضباً عليهم... فالمقت مصدر بمعنى البغض والكراهية، وكانوا يقولون لمن يتزوج امرأة أبيه وللولد الذى يأتى عن طريق هذا الزواج، المقتى، أى المبغوض. { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } أى ولا يزيدهم إصرارهم على كفرهم إلا خسارا وبوارا وهلاكا فى الدنيا والآخرة. فالآية الكريمة تنفر اشد التنفير من الكفر، وتؤكد سوء عاقبته، تارة عن طريق بيان أنه مبغوض من الله - تعالى -، وتارة عن طريق بيان أن المتلبس به، لن يزداد إلا خسراناً وبوارا. ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتحدى هؤلاء المشركين، وأن يوبخهم على عنادهم وجحودهم فقال { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ... }. أى قل - أيها الرسول الكريم - على سبيل التبكيت والتأنيب لهؤلاء المشركين. أخبرونى وأنبئونى عن حال شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله، ماذا فعلوا لكم من خير أو شر، وأرونى أى جزء خلقوه من الأرض حتى استحقوا منكم الألوهية والشركة مع الله - تعالى - فى العبادة؟ إنهم لم يفعلوا - ولن يفعلوا - شيئاً من ذلك، فكيف أبحتم لأنفسكم عبادتهم؟ وقوله { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } تبكيت آخر لهم. أى وقل لهم إذا كانوا لم يخلقوا شيئاً من الأرض، فهل لهم معنا شركة فى خلق السماوات أو فى التصرف فيها، حتى يستحقوا لذلك مشاركتنا فى العبادة والطاعة. وقوله { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ } تبكيت ثالث لهم. أى وقل لهم إذا كانوا لم يخلقوا شيئاً من الأرض، ولم يشاركونا فى خلق السماوات، فهل نحن أنزلنا عليهم كتاباً أقررنا لهم فيه بمشاركتنا، فتكون لهم الحجة الظاهرة البينة على صدق ما يدعون؟ والاستفهام فى جميع أجزاء الاية الكريمة للإِنكار والتوبيخ.

السابقالتالي
2