الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } * { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }

و " ثم " فى قوله - تعالى - { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } للتراخى الرتبى. و { أَوْرَثْنَا } أى أعطينا ومنحنا، إذ الميراث عطاء يصل للإِنسان عن طريق غيره. والمراد بالكتاب القرآن الكريم، وما اشتمل عليه من عقائد وأحكام وآداب وتوجيهات سديدة.. وهو المفعول الثانى لأورثنا، وقدم على المفعول الأول، وهو الموصول للتشريف. و { ٱصْطَفَيْنَا } بمعنى اخترنا واستخلصنا، واشتقاقه من الصفو، بمعنى الخلوص من الكدر والشوائب. والمراد بقوله { مِنْ عِبَادِنَا } الأمة الإِسلامية التى جعلها الله خير أمة أخرجت للناس. والمعنى ثم جعلنا هذا القرآن الذى اوحيناه إليك - أيها الرسول الكريم - ميراثاً منك لأمتك، التى اصطفيناها على سائر الأمم، وجعلناها أمة وسطا. وقد ورثناها هذا الكتاب لتنتفع بهداياته.. وتسترشد بتوجيهاته، وتعمل بأوامره ونواهيه. قال الآلوسى قوله { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } هم - كما قال ابن عباس وغيره - أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله - تعالى - اصطفاهم على سائر الأمم... ". وفى التعبير بالاصطفاء، تنويه بفضل هؤلاء العباد، وإشارة إلى فضلهم على غيرهم، كما أن التعبير بالماضى يدل على تحقق هذا الاصطفاء. ثم قسم - سبحانه - هؤلاء العباد إلى ثلاثة اقسام فقال { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ.. }. وجمهور العلماء على أن هذه الأقسام الثلاثة، تعد إلى أفراد هذه الأمة الإِسلامية. وأن المراد بالظالم لنفسه، من زادت سيئاته على حسناته. وأن المراد بالمقصد من تساوت حسناته مع سيئاته. وأن المراد بالسابقين بالخيرات من زادت حسناتهم على سيئاتهم. وعلى هذا يكون الضمير فى قوله - تعالى - بعد ذلك { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا... } يعود إلى تلك الأقسام الثلاثة، لأنهم جميعاً من أهل الجنة بفضل الله ورحمته. ومن العلماء من يرى أن المراد بالظالم لنفسه الكافر، وعليه يكون الضمير فى قوله { يَدْخُلُونَهَا } يعود إلى المقتصد والسابق بالخيرات، وأن هذه الآية نظير قوله - تعالى - فى سورة الواقعة { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ.. }. ومن المفسرين الذين رجحوا القول الأول ابن كثير فقد قال ما ملخصه يقول - تعالى - ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم... وهم هذه الأمة على ثلاث أقسام { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } وهو المفرط فى بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات. { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } وهو المؤدى للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات. { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } وهو الفاعل للواجبات والمستحبات. قال ابن عباس هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله - تعالى - كل كتاب أنزله. فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.

السابقالتالي
2 3