الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } * { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ }

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً }.. لتقرير ما قبله، من أن اختلاف الناس فى عقائدهم وأحوالهم أمر مطرد، وأن هذا الاختلاف موجود حتى فى الحيوان والحجارة والنبات.. قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ... } هذه الكلمة قد تذكر لمن تقدم علمه فتكون للتعجب، وقد تذكر لمن لا يكون كذلك، فتكون لتعريفه وتعجيبه، وقد اشتهرت فى ذلك أجريت مجرى المثل فى هذا الباب، بأن شبه من لم ير الشئ، بحال من رآه. فى أنه لا ينبغى أن يخفى عليه، ثم أجرى الكلام معه. كما يجرى مع من رأى، قصداً إلى المبالغة فى شهرته... ". والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يتأتى له الخطاب، بتقرير دليل من أدلة القدرة الباهرة. والمعنى لقد علمت - أيها العاقل - علماً لا يخالطه شك، أن الله - تعالى - أنزل من السماء ماء كثيراً، فأخرج بسببه من الأرض، ثمرات مختلفاً ألوانها. فبعضها أحمر، وبعضها أصفر، وبعضها أخضر.. وبعضها حلو المذاق، وبعضها ليس كذلك، مع أنها جميعاً تسقى بماء واحد، كما قال - تعالى -وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وجاء قوله { فَأَخْرَجْنَا... } على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى التكلم، لإِظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة، ولأن المنة بالإِخراج أبلغ من إنزال الماء. وقوله { مُّخْتَلِفاً } صفة لثمرات، وقوله { أَلوانها } فاعل به. وقوله - تعالى - { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } معطوف على ما قبله، لبيان مظهر آخر من مظاهر قدرته - عز وجل. قال القرطبى ما ملخصه " الجدد جمع جُدَّة - بضم الجيم - وهى الطرائق المختلفة الألوان ".. والجُدَّة الخطة التى فى ظهر الحمار تخالف لونه. والجدة الطريقة والجمع جدد.. أى طرائق تخاف لون الجبل، ومنه قولهم ركب فلان جُدَّة من الأمر، إذا رأى فيه رأيا ". وغرابيب جمع غربيب، وهو الشئ الشديد السواد، والعرب تقول للشئ الشديد السواد، أسود غربيب. وقوله { سُودٌ } بدل من { وَغَرَابِيبُ }. أى أنزلنا من السماء ماء أخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها، وجعلنا بقدرتنا من الجبال قطعاً ذات ألوان مختلفة، فمنها الأبيض، ومنها الأحمر، ومنها ما هو شديد السواد، ومنها ما ليس كذلك، مما يدل على عظيم قدرتنا. وبديع صنعنا... ثم بين - سبحانه - أن هذا الاختلاف ليس مقصوراً على الجبال فقال { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ.

السابقالتالي
2 3