الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } * { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } * { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } * { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

وقوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ... } نداء منه - سبحانه - للناس، يعرفهم فيه حقيقة أمرهم، ولأنهم لا غنى لهم عن خالقهم - عز وجل -. أى يأيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله - تعالى - فى كل شئونكم الدنيوية والأخروية { وَٱللَّهُ } - تعالى - وحده هو الغنى، عن كل مخلوق سواه، وهو { ٱلْحَمِيدُ } أى المحمود من جميع الموجودات، لأنه هو الخالق لكل شئ، وهو المنعم عليكم وعلى غيركم بالنعم التى لا تحصى. قال صاحب الكشاف فإن قلت لم عرف الفقراء؟ قلت قصد بذلك أن يريهم أنه لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفترقين إليه من الناس وغيرهم، لأن الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر، وقد شهد الله - سبحانه - على الإِنسان بالضعف فى قوله { وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } ولو نكر لكان المعنى أنتم بعض الفقراء ". وجمع - سبحانه - فى وصف ذاته بين الغنى والحميد، للإِشعار بأنه - تعالى - بجانب غناه عن خلقه، هو الذى يفيض عليهم من نعمه، وهو الذى يعطيهم من خيره وفضله، ما يجعلهم يحمدونه بألسنتهم وقلوبهم. قال الآلوسى قوله { ٱلْحَمِيدُ } أى المنعم على جميع الموجودات، المستحق بإنعامه للحمد، وأصله المحمود، وأريد به ذلك عن طريق الكناية، ليناسب ذكره بعد فقرهم، إذ الغنى لا ينفع الفقير إلا إذا كان جواداً منعماً، ومثله مستحق للحمد، وهذا كالتكميل لما قبله.. ". وقوله - سبحانه - { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } بيان لمظهر من مظاهر غناه عن الناس. أى إن يشأ - سبحانه - يهلككم ويزيلكم من هذا الوجود، ويأت بأقوام آخرين سواكم، فوجودكم فى هذه الحياة متوقف على مشيئته وإرادته. واسم الإِِشارة فى قوله { وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } يعود على الإِذهاب بهم، والإِتيان بغيرهم. وما ذلك الذى ذكرناه لكم من إفنائكم والإِتيان بغيركم، بعزيز، أى بصعب أو عسير أو ممتنع على الله - تعالى -، لأن قدرته - تعالى لا يعجزها شئ. ثم بين - سبحانه - أن كل نفس تتحمل نتائج أعمالها وحدها فقال { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }. وقوله { تَزِرُ } من الوزر بمعنى الحمل. يقال فلان وزر هذا الشئ إذا حمله. وفعله من باب " وعد " ، وأكثر ما يكون استعمالاً فى حمل الآثام. وقوله { وَازِرَةٌ } صفة لموصوف محذوف. أى ولا تحمل نفس آثمة، إثم نفس أخرى، وإنما كل نفس مسئولة وحدها عن أفعالها وأقوالها التى باشرتها، أو تسببت فيها. وقوله { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } مؤكد لمضمون ما قبله، من مسئولية كل نفس عن أفعالها.

السابقالتالي
2 3 4