الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } * { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }

والمراد بالرؤية فى قوله - تعالى - { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } المعرفة والعلم واليقين. والمراد بالذين أوتوا العلم المؤمنون الصادقون الذين اتبعوا النبى صلى الله عليه وسلم فى كل ما جاءهم به من عند ربه، سواء أكانوا من العرب أم من غيرهم، كمؤمنى أهل الكتاب من اليهود والنصارى. والجملة الكريمة مستأنفة لمدح هؤلاء العلماء العقلاء على إيمانهم بالحق، أو معطوف على يجزى فى قوله - تعالى - قبل ذلكلِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } والمراد بـ { ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } القرآن الكريم. والمعنى لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لما يقوله الكافرون بشأنك ولما يفعلونه لإِبطال دعوتك، فإن الذين أوتوا العلم وهم أتباعك الصادقون، يعلمون ويعتقدون أن ما أنزل إليك من ربك هو الحق الذى لا يحوم حوله باطل، وهو الصدق الذى لا يشوبه كذب، وهو الكتاب الذى يهدى من اتبعه وأطاع توجيهاته إلى دين الله - تعالى -، العزيز، الذى يقهر ولا يقهر { ٱلْحَمِيدِ } أى المحمود فى جيمع شئونه. والمفعول الأول ليرى قوله { ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ }.. والمفعول الثانى " الحق " و " هو " ضمير فصل متوسط بين المفعولين و " يهدى " معطوف على المفعول الثانى من باب عطف الفعل على الاسم لتأويله به، أى يرونه حقا وهاديا. وعبر - سبحانه - عن إيمان أهل العلم بما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله { وَيَرَى } ، للإِشعار بأنهم قد آمنوا هذا الإِيمان الجازم عن إدراك ومشاهدة ويقين، وأنهم قد صاروا لا يشكون فى كون هذا المُنَزَّل عليه من ربه، هو الحق الهادى إلى الصراط المستقيم. وفى وصفهم بقوله { أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } ثناء عظيم عليهم، لأنهم انتفعوا بعلمهم وسخروه لخدمة الحق، وللشهادة له بأنه حق، ويهدى إلى السعادة الدينية والدنيوية والأخروية. وهكذا العلماء العاملون بمقتضى علمهم النافع. يكونون أنصارا للحق والهدى فى كل زمان ومكان. ثم حكى - سبحانه - ما قاله أولئك الكافرون فيما بينهم، على سبيل الاستهزاء بالنبى صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ.. }. وتمزيق الشئ تخريقه وجعله قطعا قطعا. يقال ثوب ممزق ومزيق. إذا كان مقطعا مخرقا. والمراد بالرجل الرسول صلى الله عليه وسلم. أى وقال الذين كفروا بعضهم لبعض، ألا تريدون أن ندلكم ونرشدكم إلى رجل، هذا الرجل يخبركم ويحدثكم، بأنكم إذا متم، وفرقت أجسامكم فى الأرض كل تفريق، وصرتم رفاتا وعظاما، وأصبحتم طعاما فى بطون الطيور والوحوش. { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } أى إنكم بعد هذا التمزيق والتفريق، تخلقون خلقا جديدا، وتعودون إلى الحياة مرة أخرى، للحساب على أعمالكم التى علمتموها فى حياتكم.

السابقالتالي
2 3