الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } * { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ }

وقوله - تعالى - { أَعِظُكُمْ } من الوعظ، وهو تذكير الغير بالخير والبر بكلام مؤثر رقيق يقال وعظه يعظه وعظا وعظة، إذا أمره بالطاعة ووصاه بها. وقوله { بِوَاحِدَةٍ } صفة لموصوف محذوف. والتقدير قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين الذين قالوا الكذب فى شأنك وفى شأن ما جئت به، قل لهم إنما أعظكم وآمركم وأوصيكم بكلمة واحدة، أو بخصلة واحدة. ثم فسر - سبحانه - هذه الكلمة بقوله { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ }. والمراد بالقيام هنا التشمير عن ساعد الجد، وتلقى ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بقلب مفتوح. وعقل واع، ونفس خالية من التعصب والحقد والعكوف على التقليد. و { مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } أى متفرقين اثنين اثنين، وواحدا واحدا، وهما منصوبان على الحال. { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } بعد ذلك فى أمر هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وفى أمر رسالته، وفى أمر ما جاء به من عند ربه، فعند ذلك ترون أنه على الحق، وأنه قد جاءكم بما يسعدكم. فالآية الكريمة تأمرهم أن يفكر كل اثنين بموضوعية وإنصاف فى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يعرض كل واحد منهما حصيلة تفكيره على صاحبه، وأن يفكر كل واحد منهم على انفراد - أيضا فى شأن هذا الرسول، من غير تعصب وهوى. وقدم الاثنين فى القيام على المنفرد، لأن تفكير الاثنين فى الأمور بإخلاص واجتهاد وتقدير، أجدى فى الوصول إلى الحق من تفكير الشخص الواحد ولم يأمرهم بأن يتفكروا فى جماعة، لأن العقلية الجماعية كثيرا ما تتبع الانفعال الطارئ. وقلما تتريث فى الحكم على الأمور. ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية والمعنى إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها، أصبتم الحق، وتخلصتم من الباطل - وهى أن تقوموا لوجه الله خالصا، متفرقين اثنين اثنين، وواحدا واحدا، { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به. أما الاثنان فيتكفران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه، وينظران فيه متصادقين متناصفين، لا يميل بهما اتباع هوى، ولا ينبض لهما عرق عصبية، حتى يهجم بهما الفكر الصالح، والنظر الصحيح على جادة الحق. وكذلك الفرد يفكر فى نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها، ويعرض فكره على عقله وذهنه، وما استقر عنده من عادات العقلاء، ومجارى أحوالهم. والذى أوجب تفرقهم مثنى وفرادى، أن الاجتماع مما يشوش الخواطر، ويعمى البصائر، ويمنع من الروية، ويخلط القول. ومع ذلك يقل الإِنصاف ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب. وقوله - سبحانه - { مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ } كلام مستأنف جئ به لتنزيه ساحته صلى الله عليه وسلم عما افتراه عليه المفترون من كونه قد أصيب بالجنون.

السابقالتالي
2 3