الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }

افتتحت سورة سبأ بتقرير الحقيقة الأولى فى كل دين، وهى أن المستحق للحمد المطلق، والثناء الكامل، هو الله رب العالمين. والحمد هو الثناء باللسان على الجميل الصدر عن اختيار من نعمة أو غيرها. و أل فى الحمد للاستغراق، بمعنى أن المستحق لجميع المحامد، ولكافة ألوان الثناء، هو الله - تعالى -. وإنما كان الحمد مقصورا فى الحقيقة عليه وحده - سبحانه -، لأن كل ما يستحق أن يقابل بالثناء، فهو صادر عنه، ومرجعه إليه، إذ هو الخالق لكل شئ، وما يقدم إلى بعض الناس من حمد جزاء إحسانهم، هو فى الحقيقة حمد له - لأنه - سبحانه - هو الذى وفقهم لذلك، وأعانهم عليه. وقد اختار - سبحانه - افتتاح هذه السورة بصفة الحمد، دون المدح أو الشكر، لأنه وسط بينهما، إذ المدح أعم من الحمد، لأن المدح يكون للعاقل وغيره، فقد يمدح الإِنسان لعقله، وتمدح اللؤلؤة لجماها، أما الحمد فإنه لا يحصل إلا للفاعل المختار على ما يصدر عنه من إحسان. والحمد أخص من الشكر، لأن الشكر يكون من أجل نعمه وصلت إليك أما الحمد فيكون من أجل نعمة وصلت إليك أو إلى غيرك. وفى القرآن الكريم خمس سور اشتركت فى الافتتاح بقوله - تعالى - { ٱلْحَمْدُ للَّهِ.. } وهى سورة الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر. ولكن لكل سورة من هذه السور، منهج خاص فى بيان أسباب الحمد لله - تعالى - وحده. وقد أحسن القرطبى - رحمه الله - عندما قال فإن قيل قد افتتح غيرها أى سورة الأنعام - بالحمد لله، فكان الاجتزاء بواحدة يغنى عن سائره؟ فالجواب أن لكل واحد منه معنى فى موضعه، لا يؤدى عن غيره، من أجل عقده بالنعم المختلفة، و - أيضا - فلما فيه من الحجة فى هذا الموضع على الذين هم بربهم يعدلون. والمعنى الحمد الكامل الشامل لله - تعالى - وحده، لأنه هو، الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض، خلقا وملكا وتصرفا، بحيث لا يخرج شئ فيهما عن إرادته ومشيئته. قوله وله الحمد فى الآخرة، تنبيه إلى أن حمده - عز وجل - ليس مقصورا على الدنيا، بل يشمل الدنيا والآخرة. فالمؤمنون فى الدنيا على ما وهبهم من نعم الإِيمان والإِحسان، ويحمدونه فى الآخرة على ما منحهم من جنة عرضها السماوات والأرض، ويقولونٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } قال صاحب الكشاف ولما قال - سبحانه - الحمد لله، ثم وصف ذاته بالإِنعام بجميع النعم الدنيوية، كان معناه أنه المحمود على نعم الدنيا، تقول احمد أخاك الذى كساك وحملك، تريد احمده على كسوته وحملانه.

السابقالتالي
2 3 4