الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ }

والأمر بالدعاء فى قوله - سبحانه - { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ.. } للتوبيخ والتعجيز. ومفعولا { زَعَمْتُمْ } مخذوفان. أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين على سبيل التقريع والتعجيز هؤلاء آلهتكم الذين زعمتم آلهة من دون الله، اطلبوا منهم أن ينفعوكم أو أن يرفعوا عنكم ضرا نزل بكم، إنهم بالقطع لن يستطيعوا شيئا من ذلك. ولذا جاء التأكيد على عجز هذه الآلة المزعومة بعد ذلك فى قوله - تعالى - { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ.. }. أى هؤلاء الشركاء لا يملكون شيئا ما قل أو كثر لا فى السماوات ولا فى الأرض، بل الذى يملك كل شئ، هو الله - تعالى - وحده. فالجملة الكريمة مستأنفة لبيان حال هذه الآية، وللكشف عن حقيقتها. والتعبير بعدم ملكيتهم لمثقال ذرة، المقصود به أنهم لا يملكون شيئا على الإِطلاق، لأن مثقال الذرة أقل ما يتصور فى الحقارة والقلة. وذكر - سبحانه - السماوات والأرض لقصد التعميم، إذ هما محل الموجودات الخارجية. أى لا يملكون شيئا ما فى هذا الكون العلوى والسفلى. وبعد أن نفى عن الشركاء الملكية الخالصة لأى شئ فى هذا الكون، أتبع ذلك بنفى ملكيتهم لشئ ولو على سبيل المشاركة، فقال - تعالى - { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ }. أى أن هؤلاء الذين زعمتموهم شركاء لله - تعالى - فى العبادة، لايملكون شيئا ما فى هذا الكون ملكية خاصة، ولا يملكون شيئا ما - أيضا - على سبيل المشاركة لغيرهم. وليس لله - تعالى - أحد يعينه أو يظاهره فيما يريد من إيجاد أو إعدام، بل الأمر كله إليه وحده. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد نفت عن تلك الآلهة المزعومة، ملكية أى شئ فى هذا الكون، سواء أكانت ملكية خالصة، أم ملكية على سبيل المشاركة، وأثبتت أن المالك والمتصرف فى هذا الكون إنما هو الله - تعالى - وحده، دون أن يكون فى حاجة إلى عون من تلك الآلهة أو من غيرها. ثم نفى - سبحانه - أن تكون هناك شفاعة من أحد لأحد إلا بإذنه - تعالى - فقال { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }. والشفاعة من الشفع الذى هو ضد الوتر - أى الفرد -، ومعناها انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ما يمكن دفعه من ضر. أى ولا تنفع الشفاعة عند الله - تعالى - من أحد لأحد، إلا لمن أذن الله - تعالى - له فى ذلك. قال الآلوسى ما ملخصه والمراد نفى شفاعة الأصنام لعابديها، لكنه - سبحانه - ذكر ذلك على وجه عام، ليكون طريقا برهانيا.

السابقالتالي
2 3 4