الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } * { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }

و { لِسَبَإٍ } فى الأصل اسم لرجل، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود، وهو أول ملك من ملوك اليمن.. والمراد به هنا الحى أو القبيلة المسماة باسمه، فيصرف على الأول ويترك صرفه على الثانى. وكانوا يسكنون بمأْرِب باليمن، على مسيرة ثلاثة أيام من صنعاء وكانت أرضهم مخصبة ذات بساتين وأشجار متنوعة، وزاد خيرهم ونعيمهم بعد أن اقاموا سدا، ليأخذوا من مياه الأمطار على قدر حاجتهم، وكان هذا السد يعرف بسد مأرب، ولكنهم لم يشكروا الله - تعالى - على هذه النعم، فسلبها - سبحانه - منهم. قال ابن كثير كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس منهم، وكانوا فى نعمة وغبطة، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته فكانوا كذلك ما شاء الله، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق فى البلاد. أخرج الإِمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال " إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو؟ رجل أم امرأة أم أرض؟ فقال صلى الله عليه وسلم بل هو رجل. كان له عشرة أولاد، سكن اليمن منهم ستة، وهم مَذْحِجْ، وكِنْدَه، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحِميْر. وسكن الشام منهم أربعة وهم لَخْم، وجُذَام، وعامِلَةُ، وغسَّان ". وإنما سمى " سبأ " لأنه أول من سبأ فى العرب - أى جمع السبايا -، وكان يقال له الرائش، لأنه أول من غنم فى الغزو فأعطى قومه، فسمى الرائش، والعرب تسمى المال - ريشا ورياشا، وذكروا أنه بشر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فى زمانه المتقدم ". والمعنى والله لقد كان لقبيلة سبأ فى مساكنهم التى يعيشون فيها { آيَةٌ } بينة واضحة، وعلامة ظاهرة تدل على قدرة الله - تعالى - وعلى فضله على خلقه وعلى وجوب شكره على نعمه، وعلى سوء عقابة الجاحدين لهذه النعم. فالمراد بالآية العلامة الواضحة الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته وبديع صنعه، ووجوب شكره، والتحذير من معصيته. ثم وضح - سبحانه - هذه الآية فقال { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أى كانت لأهل سبأ طائفتان من البساتين والجنان طائفة من يمين بلدهم، وطائفة أخرى عن شماله. وهذه البساتين المحيطة بهم كانت زاخرة بما لذ وطاب من الثمار. قالوا كانت المرأة تمشى تحت أشجار تلك البساتين وعلى رأسها المكتل، فيمتلئ من أنواع الفواكه التى تتساقط فى مكتلها دون جهد منها. ولفظ { جَنَّتَانِ } مرفوع على البدل من { آيَةٌ } أو على أنه مبتدأ، وخبره قوله { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ }. وقوله - تعالى - { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ.

السابقالتالي
2 3 4 5