الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

وقوله - سبحانه - { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } بيان لما مَنّ الله - تعالى - به على عبده داود - عليه السلام - من خير وبركة. أى ولقد آتينا عبدنا داود فضلا عظيما، وخيرا وفيرا، وملكا كبيرا، بسبب إنابته إلينا، وطاعته لنا. ثم فصل - سبحانه - مظاهر هذا الفضل فقال { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } والتأويب الترديد والترجيع. يقال أوَّب فلان تأويبا إذا رَجَّع مع غيره ما يقوله. والجملة مقول لقول محذوف أى وقلنا يا جبال رددى ورجعى مع عبدنا داود تسبيحه لنا، وتقديسه لذاتنا، وثناءه علينا، كما قال - تعالى -إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاق } وقوله { وَٱلطَّيْرَ } بالنصب عطفا على قوله { فَضْلاً } أى وسخرنا له الطير لتسبح معه بحمدنا. أو معطوف على محل { يٰجِبَالُ } أى ودعونا الجبال والطير إلى التسبيح معه. قال الإِمام ابن كثير - رحمه الله يخبر - تعالى - عما أنعم به على عبده ورسوله داود - عليه السلام - مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوى العَدَد والعُدَد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذى كان إذا سبح به، تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات. والغاديات الرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات. وفى الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبى موسى الأشعرى يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال " لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود ". وقال صاحب الكشاف فإن قلت أى فريق بين هذا النظم وبين أن يقال { آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } تأويب الجبال معه والطير؟ قلت كم بينهما من الفرق؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التى لا تخفى، من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية، حيث جعلت الجبال مُنَزْلَةَّ مَنزِلَةَ العقلاء، الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا، إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته. وقوله - تعالى - { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } ، بيان لنعمة أخرى من النعم التى أنعم بها - سبحانه - عليه. أى وصيرنا الحديد لينا فى يده، بحيث يصبح - مع صلابته وقوته - كالعجيبن فى يده، يشكله كيف يشاء، من غير أن يدخله فى نار، أو أن يطرقه بمطرقة. فالجملة الكريمة معطوفة على قوله { آتَيْنَا } ، وهى من جملة الفضل الذى منحه - سبحانه - لنبيه داود - عليه السلام -. و { أَنِ } فى قوله { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ } مصدرية على حذف حرف الجر. وسابغات صفة لموصوف محذوف. أى ألنا له الحديد، لكى يعمل منه دروعا سابغات.

السابقالتالي
2 3 4