الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } * { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

والمراد بالذين آذوا موسى - عليه السلام - فى قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ... } قومه الذين أرسله الله إليهم. فقد حكى القرآن الكريم ألوانا من إيذائهم له، ومن ذلك قولهم لهيٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ... } وقولهملَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } ومن إيذائهم له - عليه السلام - ما رواه الإِمام البخارى والترمذى عن أبى هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شئ، فآذاه من آذاه من بنى إسرائيل، وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده، إما برص، وإما آفة. وإن الله - تعالى - أراد أن يبرئه مما قالوا، وإن موسى خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، وأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول ثوبى حجر، ثوبى حجر حتى انتهى إلا ملأ بنى إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله - تعالى -، وأبرأه الله - تعالى مما يقولون.. " فذلك قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ... }. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، التزموا الأدب والطاعة والاحترام لنبيكم صلى الله عليه وسلم واحذروا أن تسلكوا معه المسلك الذى سلكه بنو إسرائيل مع نبيهم موسى - عليه السلام - حيث آذوه بشتى أنواع الأذى. وقولهملَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ... } واتخاذهم العجل إلها من دون الله فى غيبة نبيهم موسى - عليه السلام -.. { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } أى فأظهر الله - تعالى - براءته من كل ما نسبوه إليه من سوء. { وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } أى وكان عند الله - تعالى - ذا جاه عظيم، ومكانه سامية، ومنزلة عالية، حيث نصره - سبحانه - عليهم، واصطفاه لحمل رسالته.. يقال وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه، إذا كان ذا جاه وقدر.. ثم أمرهم - سبحانه - بمراقبته وبالخوف منه، بعد أن نهاهم عن التشبه ببنى إسرائيل فى إيذائهم لنبيهم فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً.. }. والقول السديد هو القول الصادق الصحيح الخالى من كل انحراف عن الحق والصواب، مأخوذ من قولك سدد فلان سهمه يسدده، إذا وجهه بإحكام إلى المرمى الذى يقصده فأصابه. ومنه قولهم سهم قاصد. إذا أصاب الهدف. أى يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وراقبوه وخافوه فى كل ما تأتون وما تذرون، وفى كل ما تقولون وما تفعلون، وقولوا قولا كله الصدق والصواب. فإنكم إن فعلتم ذلك { يُصْلِحْ } الله - تعالى - { لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } بأن يجعلها مقبولة عنده { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } التى فرطت منكم، بأن بمحوها عنكم ببركة استقامتكم فى أقوالكم وأفعالكم.

السابقالتالي
2 3