الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } * { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً }

والمنافقون جمع منافق، وهو الذى يظهر الإِسلام ويخفى الكفر. والذين فى قلوبهم مرض هم قوم ضعاف الإِيمان، قليلو الثبات على الحق. والمرجفون فى المدينة هم الذين ينشرون أخبار السوء عن المؤمنين ويلقون الأكاذيب الضارة بهم ويذيعونها بين الناس. وأصل الإِرجاف التحريك الشديد للشئ، مأخوذ من الرجفة التى هى الزلزلة. ووصف به الأخبار الكاذبة، لكونها فى ذاتها متزلزلة غير ثابتة، أو لإِحداثها الاضطراب فى قلوب الناس. وقد سار بعض المفسرين، على أن هذه الأوصاف الثلاثة، كل وصف منها لطائفة معينة، وسار آخرون على أن هذه الأوصاف لطائفة واحدة هى طائفة المنافقين، وأن العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات. قال القرطبى قوله { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ... } أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشئ واحد... والواو مقحمة كما فى قول الشاعر
إلى الملك القرم وابن الهما م وليث الكتيبة فى المزدحم   
أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتبية. وقيل كان منهم قوم يرجفون، وقوم يتبعون النساء للريبة، وقوم يشككون المسلمين... وقد سار صاحب الكشاف على أن هذه الأوصاف لطوائف متعددة من الفاسقين، فقال { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } قوم كان فيهم ضعف إيمان، وقلة ثبات عليه.. { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } ناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين. والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عدائكم وكيدكم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التى تسوؤهم وتنوؤهم. وقوله { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } جواب القسم. أى لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد، يقال أغرى فلان فلانا بكذا، إذا حرضه على فعله. وقوله { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } معطوف على جواب القسم. أى لنغرينك بهم ثم لا يبقون بعد ذلك مجاورين لك فيها إلا زمانا قليلا، يرتحلون بعده بعيدا عنكم، لكى تبتعدوا عن شرورهم. وجاء العطف بثم فى قوله { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ } للإِشارة إلى أن إجلاءهم عن المدينة نعمة عظيمة بالنسبة للمؤمنين، ونقمة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المنافقين وأشباهههم. وقوله { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ } أى مطرودين من رحمة الله - تعالى - ومن فضله، أينما وجدوا وظفر بهم المؤمنون. و { مَّلْعُونِينَ } منصوب على الحال من فاعل { يُجَاوِرُونَكَ } و { ثُقِفُوۤاْ } بمعنى وجدوا. تقول ثقفت الرجل فى الحرب أثقفه، إذا أدركته وظفرت به. وقوله { أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } بيان لما يحيق بهم من عقوبات عند الظفر بهم. أى هم ملعونون ومطرودون من رحمة الله بسبب سوء أفعالهم، فإذا ما أدركوا وظفر بهم، أخذوا أسارى أذلاء، وقتلوا تقتيلا شديدا، وهذا حكم الله - تعالى - فيهم حتى يقلعوا عن نفاقهم وإشاعتهم قالة السوء فى المؤمنين، وإيذائهم للمسلمين والمسلمات.

السابقالتالي
2 3