الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

أى النبى صلى الله عليه وسلم أحق بالمؤمنين بهم من أنفسهم وأولى فى المحبة والطاعة، فإذا ما دعاهم إلى أمر، ودعتهم أنفسهم إلى خلافه، وجب أن يؤثروا ما دعاهم إليه، على ما تدعوهم إليه أنفسهم، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلا إلى ما ينفعهم، أما أنفسهم فقد تدعوهم إلى ما يضرهم. وفى الحديث الصحيح الذى رواه الإِمام مسلم عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن مثلى ومثل أمتى، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه - أى فى الشئ المستوقد - وأنا آخذ بِحُجزكم - أى وأنا آخذ بما يمنعكم من السقوط كملابسكم ومعاقد الإِزار - وأنتم تقحمون فيه " أى وأنتم تحاولون الوقوع فيما يحرقكم -. قال القرطبى قال العلماء الحجزة السراويل، والمعقد للإِزار، فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه، وهذا مثل لاجتهاد نبينا صلى الله عليه وسلم فى نجاتنا، وحرصه على تخليصنا من الهلكات التى بين أيدينا، فهو أولى بنا من أنفسنا. وقال الإِمام ابن كثير. قد علم الله - تعالى - شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحه لهم فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم لأنفسهم. وفى الصحيح " والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين ". وروى البخارى عن هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة. اقرءوا إن شئتم { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى فأنا مولاه ". وروى الإِمام أحمد عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك دينا فإلى، ومن ترك مالا فلورثته ". وقال الآلوسى وإذا كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فى حق المؤمنين، يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه - عليه الصلاة والسلام - عليهم أنفذ من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها. وسبب نزول الآية - على ما قيل - ما روى من أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك، فأمر الناس بالخروج فقال أناس منهم نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنلزت. ووجه دلالتها على السبب أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان أولى من أنفسهم، فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى. ثم بين - سبحانه - منزلة أزواجه صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمؤمنين فقال { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أى وأزواجه صلى الله عليه وسلم بمنزلة أمهاتكم - أيها المؤمنون - فى الاحترام والإِكرام، وفى حرمة الزواج بهن.

السابقالتالي
2 3