الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } * { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ... } روايات متعددة منها، ما ثبت فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال وافقت ربى فى ثلاث. فقلت يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله - تعالى -وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وقلت يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن، فأنزل الله آية الحجاب. وقلت لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم ما تمالأن عليه فى الغيرةعَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } فنزل كذلك. وروى البخارى عن أنس بن مالك - رضى الله عنه - قال لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام، فلما قام صلى الله عليه وسلم قام معه من قام، وقعد ثلاثة نفر. فجاء النبى صلى الله عليه وسلم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبى صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا. فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بينى وبينه، فأنزل الله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ... } الآية. قال ابن كثير وكان وقت نزولها فى صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش التى تولى الله - تعالى - تزويجها بنفسه، وكان ذلك فى ذى القعدة من السنة الخامسة، فى قول قتادة والواقدى وغيرهما. والمراد ببيوت النبى المساكن التى اعدها صلى الله عليه وسلم لسكنى أزواجه. والاستثناء فى قوله - تعالى - { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } استثناء مفرغ من أعم الأحوال. وقوله { غَيْرَ نَاظِرِينَ } حال من ضمير { تَدْخُلُواْ } و { إِنَاهُ } أى نضجه وبلوغه الحد الذى يؤكل معه. يقال أنَى الطعام يأنَى أنْياً وإِنىً - كقلى يقلى - إذا نضج وكان معدا للأكل. والمعنى يامن آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، لا تدخلوا بيوت النبى صلى الله عليه وسلم فى حال من الأحوال، إلا فى حال الإِذن لكم بدخولها من أجل حضور طعام تدعون إلى تناوله، وليكن حضوركم فى الوقت المناسب لتناوله، لا قبل ذلك بأن تدخلوا قبل إعداده بفترة طويلة، منتظرين نضجه وتقديمه إليكم للأكل منه. قالوا وكان من عادة بعضهم فى الجاهلية أنهم يلجون البيوت بدون استئذان، فإذا وجدوا طعاما يعد، انتظروا حتى ينضج ليأكلوا منه. فالنهى فى الآية الكريمة مخصوص بمن دخل من غير دعوة، وبمن دخل بدعوة ولكنه مكث منتظرا للطعام حتى ينضج، دون أن تكون هناك حاجة لهذا الانتظار.

السابقالتالي
2 3 4