الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }

والمراد بالنكاح هنا فى قوله { إِذَا نَكَحْتُمُ } العقد، لأن الحديث فى حكم المرأة التى تم طلاقها قبل الدخول بها. وهذا الحكم شامل للمؤمنات ولغيرهن كالكتابيات، إلا أن الآية الكريمة خصت المؤمنات بالذكر، للتنبيه على أن من ساق المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخيرا للنطفة. والعدة هى الشئ المعدود. وعدة المرأة معناها المدة التى بانقضائها يحل لها الزواج من شخص آخر، غير الذى كان زوجا لها. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، { إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } أى إذا عقدتم عليهن عقد النكاح، ولم يبق بينكم وبينهن سوى الدخول بهن. { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } أى ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن. قال الآلوسى وفائدة المجئ بثم مع أن الحكم ثابت لمن تزوج امرأة وطلقها على الفور كثبوته لمن تزوجها وطلقها بعد مدة مديدة، إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخى الطلاق، له دخل فى إيجاب العدة، لاحتمال الملاقاة والجماع سرا... أى أن الحكم الذى اشتملت عليه الآية الكريمة، ثابت سواء تم الطلاق بعد عقد الزواج مباشرة، أم بعده بمدة طويلة. وفى التعبير عن الجماع بالمس كناية لطيفة. من شأنها أن تربى فى الإِنسان حسن الأدب، وسلامة التعبير، وتجنب النطق بالألفاظ التى تخدش الحياء. وقوله { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } جواب إذا، وبيان للحكم المترتب على طلاق المرأة قبل الدخول بها. أى إذا طلقتموهن قبل الدخول بهن، فلا عدة عليهن، بل من حقهن أن يتزوجن بغيركم، بعد طلاقكم لهن بدون التقيد بأية مدة من الزمان. قال الجمل وقوله { تَعْتَدُّونَهَا } صفة لعدة. وتعتدونها تفتعلونها، إما عن العد، وإما عن الاعتداد، أى تحسبونها أو تستوفون عددها، من قولك عد فلان الدراهم فاعتدها، أى فاستوفى عددها... فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن المطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها إطلاقا بنص الكتاب وإجماع الأمة، أما المطلقة بعد الدخول بها فعليها العدة إجماعا. وقوله - سبحانه - { فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه، بالنسبة لمن طلقت قبل الدخول بها. وأصل المتعة والمتاع، ما ينتفع بها الإِنسان من مال أو كسوة أو غير ذلك. ثم أطلقت المتعة على ما يعطيه الرجل للمرأة من مال أو غيره عند طلاقها منه، لتنتفع به، جبرا لخاطرها، وتعويضا لها عما نالها بسبب هذا الفراق. وأصل التسريح أن ترعى الإِبل السرح، وهو شجر له ثمرة، ثم أطلق على كل إرسال فى الرعى، ثم على كل إرسال وإخراج. والتسريح الجميل هو الذى لا ضرر معه. وإنما معه الكلام الطيب، والفعل الحسن. والمعنى إذا طلقتموهن قبل الدخول بهن، فأعطوهن من المال ما يجبر خاطرهن، وما يكون عوضا عن فراقهن.

السابقالتالي
2