الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } * { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } * { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً }

والمقصود بذكر الله - تعالى - فى قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } ما يشمل التهليل والتحميد والتكبير وغير ذلك من القوال والأفعال التى ترضيه - عز وجل -. أى يا من آمنتم بالله حق الإِيمان اكثروا من التقرب إلى الله - تعالى - بما يرضيه، فى كل أوقاتكم وأحوالكم، فإن ذكر الله - تعالى - هو طب النفوس ودواؤها، وهو عافية الأبدان وشفاؤها، به تطمئن القلوب، وتنشرح الصدور.. والتعبير بقوله { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } يشعر بأن من شأن المؤمن الصادق فى إيمانه، أن يواظب على هذه الطاعة مواظبة تامة. ومن الأحاديث التى وردت فى الحض على الإِكثار من ذكر الله، ما رواه الإِمام أحمد عن أبى الدرداء.. رضى الله عنه.. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها فى درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والوَرِقِ - أى الفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم، قالوا وما هو يا رسول الله؟ قال ذكر الله - عز وجل - ". وعن عمرو بن قيس قال سمعت عبد الله بن بسر يقول " جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله، أى الناس خير؟ قال " من طال عمره وحسن عمله ". وقال الآخر يا رسول الله، إن شرائع الإِسلام قد كثرت علينا، فمرنى بأمر أتشبث به. قال " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله ". وقال ابن عباس لم يفرض الله - تعالى - فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها فى حال العذر، غير الذكر، فإن الله - تعالى - لم يجعل له حدا ينتهى إليه، ولم يعذر أحداً فى تركه إلا مغلوبا على عقله، وأمرهم به فى الأحوال كلها. فقال - تعالى -ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ... } وقال - سبحانه -فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلاَةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ.. } أى بالليل وبالنهار، فى البر والبحر، وفى السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال... وقوله { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } معطوف على { ٱذْكُرُواْ... } والتسبيح التنزيه. مأخوذ من السبح، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء. فالمسبح مسرع فى تنزيه الله وتبرئته من السوء. والبكرة أول النهار. والأصيل أخره. أى اكثروا - أيها المؤمنون - من ذكر الله - تعالى - فى كل أحوالكم، ونزهوه - سبحانه - عن كل ما لا يليق به، فى أول النهار وفى آخره. وتخصيص الأمر بالتسبيح فى هذين الوقتين، لبيان فضلهما، ولمزيد الثواب فيهما، وهذا لا يمنع أن التسبيح فى غير هذين الوقتين له ثوابه العظيم عند الله - تعالى -.

السابقالتالي
2 3