الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } نزلت فى رجل من قريش اسمه جميل بن معمر الفهرى، كان حفاظا لما يسمع، وكان يقول لى قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد. فلما هزم المشركون يوم بدر، ومعهم هذا الرجل، رآه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه فى يده والأخرى فى رجله - من شدة الهلع -، فقال له أبو سفيان ما حال الناس؟ قال انهزموا. فقال له فما بال إحدى نعليك فى يدك والأخرى فى رجلك؟ قال ما شعرت إلا أنهما فى رجلى. فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسى نعله فى يده. وقيل سبب نزولها أن بعض المنافقين قال إن محمدا صلى الله عليه وسلم له قلبان، لأنه ربما كان فى شئ فنزع فى غيره نزعه ثم عاد إلى شأنه الأول، فأكذبهم الله بقوله { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }. ويرى بعضهم أن هذه الجملة الكريمة، مثل ضربه الله - تعالى - للمظاهر من امرأته، والمتبنى ولد غيره، تمهيدا لما بعده. أى كما أن الله - تعالى - لم يخلق للإِنسان قلبين فى جوفه، كذلك لم يجعل المرأة الواحدة زوجا للرجل وأما له فى وقت واحد، وكذلك لم يجعل المرء دعيا لرجل وابنا له فى زمن واحد. وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله أى ما جمع الله قلبين فى جوف، ولا زوجية وأمومة فى امرأة، ولا بنوة ودعوة فى رجل.. لأن الأم مخدومة مخفوض لها الجناح، والزوجة ليست كذلك. ولأن البنؤة أصالة فى النسب وعراقة فيه، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير. فإن قلت أى فائدة فى ذكر الجوف؟ قلت الفائدة فيه كالفائدة فى قوله - تعالى -وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصور والتجلى للمدلول عليه، لأنه إذا سمع به، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الإِنكار. وقوله - سبحانه - { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } إبطال لما كان سائدا من أن الرجل كان إذا قال لزوجته أنت على كظهر أمى حرمت عليه. يقال. ظاهر فلان من امرأته وتظهر وظهر منها، إذا قال لها أنت على كظهر أمى، يريد أنها محرمة عليه كحرمة أمه. وقد جاء الكلام عن الظهار، وعن حكمه، وعن كفارته، فى سورة المجادلة، فى قوله - تعالى -قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }

السابقالتالي
2 3