الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه الإِمام أحمد والنسائى وغيرهما، عن أم سلمة - رضى الله عنها - قالت قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت فلم يرعنى منه صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلا نداؤه على المنبر، وهو يتلو هذه الآية { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ... }. وأخرج الترمذى وغيره عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت ما أرى كل شئ إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرون بشئ، فنزلت هذه الآية. وأخرجه ابن جرير عن قتادة قال دخل نساء على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فقلن قد ذكركن الله - تعالى - فى القرآن، وما يذكرنا بشئ أما فينا ما يذكر، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية. والمعنى { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } والإِسلام الانقياد لأمر الله - تعالى - وإسلام الوجه له - سبحانه - وتفويض الأمر إليه وحده. { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } والإِيمان هو التصديق القلبى، والإِذعان الباطنى، لما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم. { وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ } والقنوت هو المواظبة على فعل الطاعات عن رضا واختيار. { وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ } والصدق والصدق هو النطق بما يطابق الواقع، والبعد عن الكذب والقول الباطل.. { وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ } والصبر هو توطين النفس على احتمال المكاره والمشاق فى سبيل الحق، وحسب النفس عن الشهوات. { وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ } والخشوع صفة تجعل القلب والجوارح فى حالة انقياد تام لله - تعالى - ومراقبة له، واستشعار لجلاله وهيبته. { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ } والتصدق تقديم الخير إلى الغير بإخلاص، دفعا لحاجته، وعملا على عونه ومساعدته. { وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ } والصوم هو تقرب إلى الله - تعالى - واستعلاء على مطالب الحياة ولذائذها، من أجل التقرب إليه - سبحانه - بما يرضيه. { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ } وحفظ الفرج كناية عن التعفف والتطهر والتصون عن أن يضع الإِنسان شهوته فى غير الموضع الذى أحله الله - تعالى -. { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } وذكر الله - تعالى - يتمثل فى النطق بما يرضيه كقراءة القرآن الكريم، والإِكثار من تسبيحه - عز وجل - وتحميده وتكبيره.. وفى شعور النفس فى كل لحظة بمراقبته - سبحانه -. هؤلاء الذين اصتفوا بهذه الصفات من الرجال والنساء { أَعَدَّ ٱللَّهُ } - تعالى - { لَهُم مَّغْفِرَةً } واسعة لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } لا يعلم مقداره إلا هو - عز وجل -. وهكذا نجد القرآن الكريم يسوق الصفات الكريمة، التى من شأن الرجل والمرأة إذا ما اتصفا بها، أن يسعدا فى دنياهما وفى أخراهما، وأن يسعد بهما المجتمع الذى يعيشان فيه... إنها صفات نظمت علاقة الإِنسان بربه، وبنفسه، وبغيره، تنظيما حكيما، يهدى الى الرشد، ويوصل إلى الظفر والنجاح. ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن الحقوق الواجبة على المسلم نحو خالقه - عز وجل - ونحو رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن تأكيد إبطال عادة التبنى التى كانت منتشرة قبل نزول هذه السورة، وعن بيان الحكمة لهذا الإِبطال، وعن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره من أتباعه.. فقال - تعالى - { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ...بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }.