الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } * { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

قال القرطبى قوله - تعالى - { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أى كان لكم قدوة فى النبى صلى الله عليه وسلم حيث بذل نفسه لنصرة دين الله، فى خروجه إلى الخندق. والأسوة القدوة. وقرأ عاصم { أُسوة } بضم الهمزة. والباقون بكسرها. والجمع أسىً وإسًى - بضم الهمزة وكسرها. يقال فلان ائتسى بفلان، إذا اقتدى به، وسار على نهجه وطريقته. وقال الإِمام ابن كثير هذه الآية الكريمة أصل كبير فى التأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فى أقواله وأفعاله وأحواله ولهذا أمر الناس بالتأسى بالنبى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، فى صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه - تعالى -... والذى يقرأ السيرة النبوية الشريفة. يرى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى هذه الغزوة بصفة خاصة، وفى غيرها بصفة عامة القدوة الحسنة الطيبة فى كل أقواله وأفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم. لقد شارك أصحابه فى حفر الخندق، وفى الضرب بالفأس. وفى حمل التراب بل وشاركهم فى أراجيزهم وأناشديهم، وهم يقومون بهذا العمل الشاق المتعب. وشاركهم فى تحمل آلام الجوع، وآلام السهر.. بل كان صلى الله عليه وسلم هو القائد الحازم الرحيم، الذى يلجأ إليه أصحابه عندما يعجزون عن إزالة عقبة صادفتهم خلال حفرهم للخندق. قال ابن إسحاق ما ملخصه وعمل المسلمون فيه - أى فى الخندق - حتى أحكموه، وارتجزوا فيه برجل من الملسمين يقال له " جُعَيلٌ " سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمْراً، فقالوا
سماه من بعد جعيل عمرا وكان للبائس يوما ظهرا   
فإذا مروا بعمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عمرا " وإذا بظهر قال " ظهرا ". ثم قال ابن إسحاق وكان فى حفر الخندق أحاديث بلغتنى فيها تحقيق نبوته صلى الله عليه وسلم فكان فيما بلغنى أن جابر بن عبد الله كان يحدث، أنهم اشتدت عليهم فى بعض الخندق كُدْيَةٌ - أى صخرة عظيمة -، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضخ ذلك الماء على تلك الكدية، فيقول من حضرها فوالذى بعثه بالحق نبيا لانهالت - أى لتفتت - حتى عادت كالكثيب - أى كالرمل المتجمع - لا ترد فأسا ولا مسحاة. وهذه الآية الكريمة وإن كان نزولها فى غزوة الأحزاب، إلا أن المقصود بها وجوب الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فى جميع أقواله وأفعاله، كما قال - تعالى -وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ }

السابقالتالي
2 3 4 5