الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المنافقين { لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ } ، لأن كل إنسان لا بد له من نهاية تنتهى عندها حياته، سواء أكانت تلك النهاية عن طريق القتل بالسيف، أم عن طريق الموت على الفراش. وما دام الأمر كذلك، فعلى هؤلاء المنافقين أن يعلموا أن الجبن لا يؤخر الحياة، وأن الشجاعة لا تقدمها عن موعدها. وصدق الله إذ يقولوَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } وقوله { إِن فَرَرْتُمْ.. } جوابه محذوف لدلالة ما سبق عليه. أى إن فررتم لن ينفعكم فراركم. وقوله { وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } تذييل قصد به زجرهم عن الجبن الذى استولى عليهم. أى إن فراركم من الموت أو القتل، إن نفعكم - على سبيل الفرض - لفترة من الوقت، فلن ينفعكم طويلا، لأنكم لن تتمتعوا بالحياة بعد هذا الفرار إلا وقتا قليلا، ثم ينزل بكم قضاء الله - تعالى - الذى لا مرد لكم منه، فما تفرون منه هو نازل بكم قطعا. ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرعهم بحجة أخرى لا يستطيعون الرد عليها، فقال { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً }. أى قبل - أيها الرسول - لهؤلاء الجاهلين من هذا الذى يملك أن يدفع ما يريده الله - تعالى - بكم من خير أو شر، ومن نعمة أو نقمة، ومن موت أو حياة. إن أحداً لا يستطيع أن يمنع قضاء الله عنكم. فالاستفهام للإِنكار والنفى. قال صاحب الكشاف فإن قلت كيف جعلت الرحمة قرينة السوء فى العصمة، ولا عصمة إلا من السوء؟ قلت معناه، أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قول " متقلدا سيفا ورمحا " - أى " متقلدا سيفا وحاملا رمحا ". وقوله - تعالى - { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } معطوف على ما قبله. أى لا يجدون من يعصمهم مما يرديه الله - تعالى - بهم، ولا يجدون من دونه - سبحانه - وليا ينفعهم، أو نصيرا ينصرهم، إذ هو وحده - سبحانه - الناصر والمغيث والمجير. قال - تعالى -مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ثم بين - سبحانه - أن علمه محيط بهؤلاء المنافقين، وأنهم لن يفلتوا من عقابه، فقال { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً }.

السابقالتالي
2 3 4