الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا... } لإِنكار عدم اهتدائهم إلى ما ينفعهم مع وضوح أسباب هذا الاهتداء. والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام. والخطاب للمشركين وعلى رأسهم كفار مكة. و " كم " خبرية بمعنى كثير. فى محل نصب لأهلكنا. والمعنى أغفل هؤلاء المشركون عما أصاب الظالمين من قبلهم، ولم يتبين لهم - لانطماس بصائرهم - أننا قد أهلكنا كثيراً من أهل الأزمان السابقة من قبلهم، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم، وإيثارهم الكفر على الإِيمان. وقوله - تعالى - { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } حال من الضمير فى { لَهُمْ } ، لتسجيل أقصى أنواع الجهالة والعناد عليهم. أى أبلغ بهم الجهل والعناد أنهم لم يعتبروا بالقرون المهلكة من قبلهم، مع أنهم يمشون فى مساكن هؤلاء السابقين، ويمرون على ديارهم مصبحين وممسين، ويرون بأعينهم آثارهم الدارسة، وبيوتهم الخاوية على عروشها. ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تبكيتهم وتقريعهم فقال { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ }. أى إن فى ذلك الذى يرونه من مصارع الغابرين، وآثار الماضين، لآيات بينات، وعظات بليغات، فهلا تدبروا فى ذلك، واستمعوا إلى صوت الحق بتعقل وتفهم؟ فقوله - تعالى - { أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } حض لهم على الاستماع إلى الآيات الدالة على سوء عاقبة الظالمين، بتدبر وتعقل واتعاظ، وتحول من الباطل إلى الحق، قبل أن يحل بهم ما حل بأهل الأزمنة الغابرة. ثم نبههم - سبحانه - إلى نعمة من نعمه الكثيرة فقال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } والأرض الجرز هى الأرض اليابسة التى جرز نباتها وقطع، إما لعدم نزول الماء عليها، وإما لرعيه منها. قال القرطبى ما ملخصه والأرض الجرز هى التى جرز نباتها أى قطع، إما لعدم الماء، وإما لأنه رعى وأزيل، ولا يقال للتى لا تنبت كالسباخ جرز. وهو مشتق من قولهم رجل جروز إذا كان لا يبقى شيئاً إلا أكله، وكذلك ناقة جروز إذا كانت تأكل كل شئ تجده، وسيف جراز، أى قاطع... ". أى أعموا ولم يشاهدوا بأعينهم { أَنَّا نَسُوقُ } بقدرتنا ورحمتنا { ٱلْمَآءَ } الذى تحمله السحب { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } أى اليابسة الخالية من النبات، فينزل عليها. { فَنُخْرِجُ بِهِ } أى فنخرج بهذا الماء النازل على الأرض القاحلة { زَرْعاً } كثيراً نافعاً { تَأْكُلُ مِنْهُ } أى من هذا الزرع { أَنْعَامُهُمْ } أى تأكل منه ما يصلح لأكلها كالأوراق والأغصان وما يشبه ذلك. وقوله { وَأَنفُسُهُمْ } معطوف على أنعامهم. أى تأكل أنعامهم من الزرع ما يناسبها، ويأكل منه الناس ما يناسبهم كالبقول والحبوب. وقدم - سبحانه - الأنعام على بنى آدم للترقى من الأدنى إلى الأشرف.

السابقالتالي
2